طلاب الجامعات في تعز.. آثار نفسية وأحلام محاصرة تحت وطأة الحرب (تقرير خاص)

طلاب الجامعات في تعز.. آثار نفسية وأحلام محاصرة تحت وطأة الحرب (تقرير خاص)

المجهر - أسماء الصامت

الثلاثاء 07/يناير/2025

-

الساعة:

4:27 م

تعيش محافظة تعز، كغيرها من المناطق اليمنية، ظروفًا اقتصادية وحربًا مستمرة منذ أكثر من تسع سنوات، ما تسبب في تفاقم الأمراض النفسية، خاصة بين طلاب الجامعات، ومؤخرا باتت الصحة النفسية محور اهتمام، لما لهذه الأوضاع من تأثيرات عميقة على الحالة النفسية والتعليمية.

ومع غياب بوادر انفراجة قريبة للأزمة في البلاد، واستمرار تدهور الواضع الاقتصادي تتفاقم التحديات، مما يفرض تحديات كبيرة أمام جميع فئات المجتمع بما فيهم طلبة الجامعات، حيث يواجهون آثارا نفسية كبيرة أثناء المرحلة الدراسية، منها التخوفات من مستقبل غامض ينتظرهم بعد التخرج، وقد يضعهم على دكة البطالة إلى أجل غير معروف.

شهادات من الواقع

يؤكد طلبة جامعيون في مدينة تعز، أنهم يعانون من ضغط الأزمات بفعل تداعيات الحرب، حيث أن الوضع الحالي يشتت تركيزهم بشكل ملحوظ مما يؤثر على مستوى تحصيلهم العلمي أثناء الدراسية، ناهيك عن التحديات الاقتصادية التي تثقل كاهلهم.

الطالب حامد سلطان (اسم مستعار) يروي تجربته قائلا :"عانيت مضاعفات نفسية نتيجة الضغوط المستمرة، وتطورت حالتي إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب الشديد والذهان". لافتا إلى أن ذلك تسبب له بالعديد من المشاكل أبرزها العصبية المفرطة والحساسية تجاه المواقف والأشخاص، والنسيان الشديد ما أدى لتراجع قدرته على الحفظ أثناء المذاكرة.

وأضاف في حديثه لـ"المجهر" إلى أنه عاش عزلة وشعورًا بعدم الأمان، وفقد القدرة على التركيز والنوم بشكل طبيعي، ما أثر على تحصيله الدراسي بشكل ملحوظ، كما أن دائرة علاقاته الاجتماعية وتواصله مع الآخرين تأثرت بفعل الآثار النفسية التي عاشها.

وأردف الطالب الذي فضل عدم ذكر اسمه "كنت أشعر بالإحباط واليأس وعدم القيمة وانخفض تقديري الذاتي بدرجة كبيرة لدرجة القول لنفسي بأنني لا أساوي شيء، كما كنت أفكر في كل شيء بسوداوية وتشاؤم لدرجة الإحساس بأنه لا جدوى من الحياة برمتها وكل الأبواب بدت لي مغلقة".

وأشار إلى أنه قرر بعد ذلك البحث عن حلول عبر الإنترنت وقراءة كتب متخصصة، ما قاده لاستشارة طبيب نفسي، والبدء بمرحلة العلاج بالأدوية والجلسات النفسية، مؤكدا "حققت تحسنًا ملحوظًا بعد ثلاثة أشهر من الجهد المستمر."

ضغوطات مستمرة

تعتقد شيماء العز أخصائية نفسية أن الحرب والمآسي اليومية تزيد من القلق والتوتر لدى الطلاب، حيث أن الصدمات النفسية تجعلهم يشعرون بالحزن والانطواء، كما تؤثر التحديات الأكاديمية والاجتماعية والعائلية على صحتهم النفسية.

وتشير العز في حديثها لـ"المجهر" إلى أن عدم استقرار الوضع يؤدى إلى ضغوطات نفسية مستمرة، مما يتسبب في زيادة نسبة القلق عند الطلاب، حيث يشعرون بقلق مستمر بشأن مستقبلهم وسلامتهم الشخصية.

 وتضيف أن الضغوطات النفسية تؤثر على التحصيل الدراسي للطلبة، وهو ما يؤدي إلى اضطراب المزاج والاكتئاب نتيجة للتوتر المستمر والصدمات النفسية ويشعرون بالحزن والإحباط والعزلة الاجتماعية بسبب الانشغال بالتفكير بالأحداث الصعبة والضغوطات التي تشكل صعوبة في بناء التواصل مع الآخرين.

وأرجعت الأخصائية النفسية شيماء العز الضغوطات التي يتعرض لها الطلبة في الجامعات إلى أربع عوامل، موضحة أن الطالب قد يتعرض لضغوط أكاديمية بشأن المطالب الدراسية أو تراكم الدروس والواجبات نتيجة تأجيل المذاكرة.

وتشير إلى أن الضغوط الاجتماعية تؤثر على الصحة النفسية للطالب مثل القلق بشأن الانتماء الاجتماعي والتعامل مع الأصدقاء والعلاقات العاطفية والتحدث والتعبير أمام الآخرين، فيما تتسبب الضغوط العائلية والتطلعات إلى تحقيق الطالب درجات عالية في تولد صراع لدى الشخص ويصاب بالتوتر من أن يخالف التوقعات الأسرية.

وتؤكد شيماء العز في ختام حديثها لـ"المجهر" أن من الضغوط الأخرى التي يتعرض لها الطالب صعوبة توفير الاحتياجات الضرورية، وتحديات توفير السكن عند القدوم من الأرياف، وتكاليف الحياة المرتفعة.

 دعم نفسي

تشير الدكتورة أحلام الحمادي مديرة مركز الإرشاد النفسي بجامعة تعز، إلى أهمية تقديم الدعم النفسي للطلاب، موضحة أن الحياة الجامعية مليئة بالعديد من الصعوبات، ما يجعل الطالب يواجه نوعين من المشكلات النفسية، يتعلق إحداها بالجانب الانفعالي، فيما الآخر بالجانب المعرفي والحياتي والدراسي.

وتضيف في حديثها لـ"المجهر" أن من أهم المشكلات النفسية التي تواجه الطلبة تتمثل بالقلق والتوتر والاكتئاب، حيث أن الضغوطات الدراسية قد تؤد ي إلى أعراض سنتموكسية مثل قرحة المعدة، الصداع، التهابات القولون، اضطرابات النوم، وبالتالي فإن مثل هذه الأمور تولد عجز في حل المشكلات واتخاذ القرارات السليمة.

وبحسب مديرة مركز الإرشاد النفسي بجامعة تعز، تسعى الجامعة الحكومية لإطلاق برامج إرشادية وتوعوية لمعالجة المشاكل النفسية، حيث تسهم هذه البرامج في تحسين التحصيل الدراسي وتعزيز الصحة النفسية.

وتؤكد أن الجامعة تهتم بالمشاكل النفسية التي تواجه الطالب الجامعي كغيرها من المشاكل التي يواجهها الطالب الجامعي. لافتة إلى أن ذلك ينطلق من إيمان قيادة الجامعة بأن الجانب النفسي عامل أساسي في التحصيل الدراسي والتفوق الأكاديمي للطالب الجامعي ويؤثر في أداءه الدراسي بشكل كبير جدا. حد وصفها.

 وتوصي الدكتورة الحمادي بعدد من الحلول التي يمكن للطالب اتخاذها للتخفيف من الضغوطات مثل التخطيط والتنظيم للوقت بشكل جيد، وإنشاء جدول زمني للأنشطة والالتزام به مما يساعده على توزيع العمل بشكل منتظم لتفادي الضغط.

وتشدد على ضرورة تعلم الطالب فن إدارة الوقت، معتبرة ذلك خطوة فعالة جدا لتحديد الأولويات، حيث ويقوم بتحديد الأنشطة الأكثر أهمية وأولوية ويضع خطة لتقسيم المهام، بالإضافة إلى تخصيص جزء كافٍ من وقته للراحة والاسترخاء بشكل يومي أو أسبوعي. 

وفي ختام حديثها؛ تعتقد الدكتورة أحلام الحمادي مديرة مركز الإرشاد النفسي بجامعة تعز، أن على الطالب ممارسة النشاطات التي تستجمع طاقته مثل التأمل واليوجا والتأمل والاستماع للموسيقى والأنشطة الرياضية، وضرورة البحث عن الدعم الاجتماعي من الأهل والأصدقاء.

 دور المجتمع والمؤسسات

تؤكد الدكتورة ذكرى العريقي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، أن المجتمع والأسرة يلعبان دورًا حاسمًا في التأثير على الصحة النفسية للطالب الجامعي، وقد يكون دورا سلبيا أو إيجابيا في الحفاظ على الصحة النفسية للطالب.

وتشير في حديثها لـ"المجهر" إلى أن هناك نوعان العوامل الاجتماعية التي قد تؤثر على الصحة النفسية للطلاب، الأولى بيئية مرتبطة بالمجتمع والثانية مرتبطة بالأسرة.

وتوضح الدكتورة ذكرى العريقي أن الأسرة لها دور مهم في التأثير على الحالة النفسية للطلاب، حيث أن تعزيز ثقافة التفاهم والحوار وعدم التقيد بمنظومة من التعليمات غير القابلة للنقاش يساهمان في شعور الطالب بالاستقرار الداخلي والاحتواء في إطار الأسرة.

وتضيف أن الفقر والبطالة وقلة فرص العمل يؤثر على نفسية الطالب، مما قد يولد احتقان داخلي، وعدم الشعور بالأمان بفعل ما يحدث في محيطه جراء استمرار الحرب، كما أن التفاوت الطبقي وتباين الأفكار ومواقع التواصل الاجتماعي من العوامل التي تؤثر بشكل كبير على الطالب.

وترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز أن توفير فرص عمل للطالب يساعده في التعلم من غير ضغوط؛ لأنه من غير ذلك ينشغل في البحث عن توفير أبسط حقوقه كالغذاء والمأوى والخدمات الأخرى.

من جانبها؛ تعتقد الدكتورة أنجيلا المعمري رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل أنه يمكن مواجهة الضغوط النفسية من خلال التوعية، كونها تحتاج إلى زيارة طبيب مختص وهو من يحدد العلاج إما سلوكيا أو عن طريق الدواء.

وتشير الدكتورة أنجيلا التي ترأس أيضا قسم علم النفس بجامعة تعز، في حديثها لـ"المجهر" أنه من الضروري اضطلاع المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بدورها في دراسة واقع الصحة النفسية لدى الطلبة، والعوامل المؤثرة والتداعيات الناجمة عن تدهورها.

وتضيف : "لا يخفى على أحد تداعيات الحرب على كل الفئات والمستويات وانعكاساتها على مدى توافق الأفراد وتحقيق الاتزان والاستقرار النفسي". مؤكدة أن جامعة تعز تقدم خدمات الدعم النفسي للطلبة من خلال برامج التوعية والإرشاد، والندوات.

إلى ذلك، تشير التقارير الأممية إلى أن نحو مليار شخص في العالم يعانون من أحد أشكال الاضطرابات العقلية، حيث يؤدي الاكتئاب إلى وفاة شخص كل 40 ثانية، يضعون حدا لحياتهم، ويتركز ذلك في أوساط الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما.

ختاما؛ تُظهر معاناة طلاب الجامعات في محافظة تعز الحاجة الملحّة لتدخلات نفسية واجتماعية عاجلة، حيث يمثل دور الجامعات والمجتمع محورا أساسيا لدعم الطلاب في مواجهة هذه التحديات وتحقيق أحلامهم رغم الظروف القاسية.

#اليمن

#الحرب

#تداعيات

#آثار نفسية

#طلبة جامعيون

#تعز

#جامعات

#توتر

#الوضع الاقتصادي

#تحديات

#متغيرات