*عزالدين سعيد الأصبحى:
**إلى أي مدى يمكن للحوثيين أن يكونوا بديلاً لحزب الله في الساحة الإقليمية؟ سؤال تردد في الآونة الأخيرة، مع الضربات التي لحقت بحضور إيران الإقليمي.
وكان بروز قضية غزة فرصة ذهبية، لتظهر الجماعة الدينية ذات الرؤية المذهبية المنغلقة فجأةً بخطاب إعلامي ثوري بروح القومية والعروبة اللتان لم يكونا ضمن قاموسها.
فالحوثي حركة مذهبية همها في الأساس إحياء دولة الإمامة الزيدية، التي تحصر نفسها بحرب طائفية ضد أغلبية يمنية، ومسكونة بثأر سياسي ضد ثورة اليمنيين التي قاموا بها في 26 سبتمبر 1962، وذاك تاريخ شكل وجدان أجيال يمنية متلاحقة، ولكنه بقي في دائرة الثأر لدى أقلية إمامية.
ومع الربيع العربي وتصدع النظام كان هناك منحى آخر ينتظر اليمن،
إلا أن فكرة الإمامة باليمن عادت تفرض نفسها ورؤيتها القديمة، ولكن مع تغيراتٍ واسعة في مسرح السياسة الإقليمية والدولية، فالأمور غير ما كانت عليه محاور الصراع قبل ستين عاماً.
فهناك تعدد المحاور والقوى، وهنا الآن إيران وثورتها التي ستجعل مسار التيار الإمامي في اليمن بين دائرتي الزيدية التقليدية، والانتماء لمشروع إيران سياسياً ومذهبياً أيضاً.
ويبقى الأمر في محل نزاع الأجنحة، بين رؤية مذهبية زيدية ترى بنفسها في العمق ليست مع نظرية الولي الفقيه والاثناعشرية السياسية، وتيارٌ متنامي لشبابٍ أكثر تأثراً بخط طهران تقوده حركة مسلحة شابة بحاجة لدعم إيران وخبراتها.
نعم هناك خلاف مذهبي عميق، ومع ذلك يمكن تلمس تراجع التيار التقليدي وتقوية تيار غالب يتبع الدولة العميقة في طهران بكل تعقيداتها.
هذا التقارب مع طهران ما كان له أن يكون قوياً لولا بروز حزب الله وأمينه العام السابق حسن نصر الله.
فتأثير هذا الأخير وحضوره الإعلامي المؤثر كان طاغياً على المشهد. إلى درجة لو أن طهران أدركت مدى خطورة توغل هذه التأثير بعموم قطاعات المجتمع اليمني ما كانت راهنت على الحوثي منفرداً، وتحملت عبء تاريخ ثاراته مع المجتمع اليمني.
فذهاب طهران بقوة لدعم الحوثي أورثها كل تاريخ العداوات اليمنية التاريخية التي تواجه الحوثي جهوياً ومذهبياً، وعبء تقاطع المصالح المتعددة، بينما كان بريق مسار محور المقاومة وخطاب حسن نصر الله أكثر حضوراً في مناطق اليمن الأخرى منه في شمال الشمال طوال العقدين الماضيين، ولكن ذهاب إيران بقوة في دعم الحوثي المعادي لهذه الجغرافيا، جعلها تحصر نفوذها ضمن ميليشيات متمردة، ومهما كسب الحوثي من الأرض والبقاء كسلطة أمرٍ واقع إلا أنه يبقى في مواجهة صفرية مع معظم الشعب اليمني، ولذا علينا أن ندرك حجم خسارة إيران، وكيف تضاعف من جهدها لبقاء الحوثي قوة نافذة.
وكان الإندفاع بتبني خطاب مناصرة غزة بمثابة طوق نجاة للحوثي تجعله يظهر عربياً كجزءٍ من تيار النضال القومي رغم إنه ايديولوجياٍ معادٍ لهذا المسار.
وتظهره يمنياً كصاحب مشروعٍ وطنيٍ عربي، رغم أنه صاحب مشروع مذهبي برؤية فقهية شديدة الإنغلاق، حيث القول أن حركة الحوثي مذهبياً هي طالبان الشيعية مقولة صحيحة. ويمكن سرد قائمة لا تنتهي من تفاصيل الرؤية المتشددة ابتداءً من الوثيقة الفكرية للحركة، وانتهاءً بسلسة الإجراءات والمواقف ضد حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالذات، وحقوق الاقليات، فالحركة المتشددة بإختصار تقسم العالم والمجتمع اليمني بالذات إلى قسمين، قسم المؤمنين الذين هم أنصارها، وقسم الكفار الذين هم بقية المجتمع والعالم، مع نظرةٍ دونيةٍ للآخر المختلف مذهبياً ودينياً وعرقياً ونساء ( لا مكان مثلا للنساء في كل الهيكل الحزبي والإداري للحركة ولا حتى ظهور إعلامي رسمي ).
وبالعودة إلى نجاح محور إيران في تقديم الحوثي كجزءٍ من مسار النضال القومي يبقى السؤال إلى أي مدى سيجدي ذلك؟ وهل يمكن أن يدفع بالحركة التي لم يغادر معظم قادتها جبال اليمن بأن تسد فراغ حزب الله ولو مؤقتاً؟.
نحتاج لبعض التروي في الإجابة، وإن كان من الواضح تهافت الحوثي ليحتل هذه المكانة.
ويجاهد عبدالملك الحوثي، بأن يًظهر نفسه زعيماً يتجاوز الساحة اليمنية، ويطل على الجمهور من وراء شاشة معلقة كل خميس بخطاب أسبوعي ( للحوثي مثلاً قرابة ستين خطاباً متلفزاً خلال هذا العام فقط ).
ولا يخفى على أحد الجهد الإعلامي في بروزة وتدريب الرجل، الذي يبذل جهداً في تقليد حسن نصر الله من وضع الجلوس إلى حركة الإصبع الملوح بها أثناء الحديث، ولكن المتتبع العادي يدرك فرقاً، وتظهر الصورة كتقليد لا يحدث قبولا.
ولكن ستسعى الآلة الإعلامية لتكريس حضوره ضمن أوراق الضغط المهمة إقليمياً.
والمعضلة الكبرى أمام عبدالملك الحوثي هي هل يتخلى عن مرجعيته الزيدية كإمام محتمل ويقبل أن يعلن كما أعلن نصر الله بوضوح ويقول أنه تابع لنائب الامام في طهران، وأنه جزء من هذه النظرية، وذاك أمر إذا تم يخرجه تماما من حاضنته الزيدية المهمة التي تبقيه في صنعاء وصعدة. ويمكن أن يشكل ذلك نهاية شخصية سريعة له، مع وجود تيارات زيدية متربصة، وإذا أعلن الرجل رفضه لمشروع الإمام الفقيه وقام بخطوات عودة لمحيطه التاريخي ، فذلك يعني بدء فراق جدي مع الدولة العميقة في طهران التي صار لها اليد الطولى في معظم قرارات صنعاء الأمنية؟!.
وتلك أسئلة تحمل إجاباتها الواضحة لكل متابع يدرك تعقيدات الشأن اليمني.
والتي تحتاج أيضا إلى وقفات مهمة لمناقشتها وإماطة اللثام عنها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news