يطل شبح المواجهات العسكرية برأسه بين القوات الحكومية باليمن وجماعة الحوثي مجددا، ما يهدد هدوءا ميدانيا ساد البلاد منذ أكثر من عامين.
وفي تصريحات للأناضول رأى المحلل السياسي اليمني يعقوب العتواني، أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعا بالمواجهات بين الطرفين، وأرجأ ذلك إلى وجود عامل “التحفيز” لدى حكومة بلاده والحوثيين في الوقت نفسه.
بينما قال المحلل اليمني سيف القصلي إن الحكومة لن تتحرك ضد الحوثيين دون دعم دولي، معتبرا أن ذلك الدعم قد يأتي جراء تمسك الحوثيين بهجماتهم ضد إسرائيل والتحالف الدولي بقيادة واشنطن في البحر الأحمر.
و”تضامنا مع غزة” التي تواجه إبادة جماعية إسرائيلية مستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 153 ألف فلسطيني، باشرت جماعة الحوثي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته باستهداف سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بصواريخ ومسيّرات، ما دفع واشنطن لتشكيل تحالف بحري لمواجهة الحوثيين.
** ما الجديد؟
مساء الاثنين، اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين بمحافظة تعز جنوب البلاد، وتحولت المواجهات إلى قضية رأي عام، وسط تساؤلات بشأن مستقبل الأزمة المستمرة بين الطرفين منذ نحو 10 سنوات.
وبعدها بساعات، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية أن الجيش “سيطر في هجوم مضاد على مواقع استراتيجية في الجبهة الشمالية والشمالية الغربية لمدينة تعز” عقب المواجهات.
كما أعلن “محور تعز العسكري” (حكومي) الثلاثاء، أن “8 من عناصر الحوثيين لقوا مصرعهم في عملية هجومية عنيفة فاشلة على مواقع قوات الجيش في جبهة الدفاع الجوي شمال غرب مركز المحافظة”.
وأضاف البيان أن المواجهات “أسفرت أيضا عن إصابة 15 من مسلحي الحوثي”، دون ذكر وجود خسائر في صفوف الجيش.
وتعد هذه أعلى حصيلة يومية لضحايا مواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في تعز منذ نحو عامين، وفق رصد مراسل الأناضول.
وجبهة الدفاع الجوي استراتيجية كونها تشرف على الطريق الرئيسي الذي يربط تعز مع المحافظات الجنوبية الأخرى بينها عدن، وسبق أن واجه الحوثيون اتهامات بمحاولة قطع هذا الخط الحيوي.
ومنذ قرابة عامين ونصف يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 10 سنوات بين القوات الموالية للحكومة مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2014 يسيطر الحوثيون على عدة محافظات شمال وشمال شرق اليمن – بينها صنعاء – تبلغ مساحتها نحو 25 بالمئة من البلاد ويسكنها ما يزيد عن 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 32 مليونا.
وبعد المواجهات الأخيرة، تفقد قائد اللواء الرابع مشاة جبلي بالجيش اليمني، أبوبكر الجبولي، الخطوط الأمامية لجبهات القتال جنوب تعز.
وقال القائد العسكري إن “الجاهزية القتالية للجيش عالية وعلى أهبة الاستعداد لإفشال مخططات الحوثيين ومحاولاتهم خنق تعز والغدر بها من المديريات الجنوبية للمحافظة”، حسب المركز الإعلامي للجيش اليمني.
وفيما لم يصدر تعقيب فوري من الحوثيين حتى الساعة 14:00 (ت.غ)، تأتي المواجهات بعد أيام من اجتماع موسع عقدته الجماعة لمناقشة أوضاع المنطقة العسكرية الرابعة التي تضم عددا من المحافظات بينها تعز.
وبحث الاجتماع “الأوضاع الخدمية والتنموية في محافظات تعز والضالع (جنوب غرب)، وإب وذمار (وسط)، وجوانب التنسيق والترتيبات العسكرية والأمنية لمواجهة أي تحركات عدوانية لقوى الهيمنة والاستكبار بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني (إسرائيل) ومرتزقتها”، وفق وكالة أنباء “سبأ” التابعة للحوثيين.
وفي الاجتماع الذي عقد السبت، شدد نائب رئيس الوزراء بحكومة الحوثيين محمد المداني “على أهمية هذا الاجتماع لتدارس الأوضاع في هذه المحافظات والاستعداد لإفشال أي تحركات عدوانية”.
والثلاثاء، حث القائم بأعمال محافظ الضالع المعين من الحوثيين، عبد اللطيف الشغدري، على “أهمية تكامل الجهود لرفد الجبهات بالمال والرجال، والوقوف بحزم لمواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي البريطاني وأدواته في المنطقة ومرتزقته”.
وشدد الشغدري “على رفع الجاهزية القتالية بالتوازي مع البناء والتنمية”، وفق الوكالة الحوثية.
** عودة المواجهات “حتمية”
وتفاعلا مع المشهد، قال المحلل السياسي يعقوب العتواني، إن عودة المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين تبدو “حتمية”، بعد التطورات الأخيرة بين الطرفين.
وأضاف للأناضول: “أظن أن هذه المواجهات سوف تتوسع، والوقت الذي يفصلنا عن حدوث ذلك ليس طويلا”.
وأوضح رؤيته بالقول: “هناك شعور ملح لدى القوات العسكرية الموالية للحكومة بأن الوضع الحالي يمثل فرصة لتوجيه ضربة كبيرة للحوثيين في ظل الاستهدافات الأمريكية والإسرائيلية لهم”.
ومن جانب الحوثيين، أشار العتواني إلى وجود “قلق من تحرك الجبهات ضدهم، وهو ما قد يدفعهم لمحاولة استباق الأمر بإشعال الجبهات عبر توجيه ضربات استباقية”.
وخلص إلى أن “الحافز للقتال متوفر لدى الطرفين، وما يؤخر اشتعال الجبهات حتى الآن هو تردد السعودية في العودة إلى الخيار العسكري بعد أن قطعت شوطا في التفاهم مع الحوثيين سياسيا، إضافة إلى الخلافات البينية داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني”، على حد قوله.
ومنذ مدة، تتكثّف مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء (شمال) في أبريل/ نيسان الماضي، وجولات خليجية للمبعوثين إلى اليمن: الأمريكي تيم ليندركينغ، والأممي هانس غروندبرغ.
وفي أكثر من مناسبة، أكد مسؤولون سعوديون حرصهم على إنهاء الأزمة اليمنية من خلال الحوار وتجنيب البلاد مزيدا من الأزمات، كما تمول الرياض عدة مشاريع إغاثية في اليمن بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
** لا معارك دون دعم خارجي
من جانبه، قال المحلل سيف القصلي، إن الحكومة اليمنية لن تتحرك في معارك برية ضد الحوثيين إلا بدعم دولي.
وأضاف للأناضول أن “التحرك الخارجي لإسناد الحكومة اليمنية في معارك برية مرتبط بتكثيف الحوثيين هجماتهم على إسرائيل وفي البحر الأحمر”، وهو ما يحفز دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا على دعم حكومة اليمن ضد الجماعة.
وفي حال تكثفت هجمات الحوثيين، وفق القصلي “قد تضغط الولايات المتحدة في سبيل إشعال الجبهات الداخلية في اليمن لضبط الجماعة المدعومة من إيران، والحد من قدراتها”.
ورجح “أن يبدأ الحوثيون في شن هجمات داخلية إذا شعروا بوجود استعداد عسكري ضدهم من قوات الحكومة الشرعية”.
ولفت إلى أن استمرار هجمات الحوثيين ضد إسرائيل دعما لغزة “فيه أيضا رسالة استعراض للقوة في الداخل، ليثبتوا أنهم قادرون على صد أي معارك مقبلة”.
وسبق أن أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، التزام الحكومة والحوثي بحزمة تدابير ضمن “خارطة طريق” تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين.
وحتى اليوم لم يتم تنفيذ خارطة الطريق، وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة والحوثيين بشأن التسبب بعدم إحراز تقدم بهذا المسار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news