صحيفة 17يوايو/ خاص
تساءل الكاتب الصحفي محمد حسن المسبحي، عن الجهات التي تقف وراء انتشار الفساد في الجنوب.
وأكد في مقال له، إنه بعد 2015 أصبح الفساد المالي والإداري ينتشر في جميع قطاعات الجنوب.
وإلى نص المقال:
منذ بداية كتابة مقالاتي السابقة عن الفساد ..لم تتوقف أسئلة القراء عن موضوع الفساد وأسبابه وآثاره على حياتنا اليومية وكنت دائما أُجيب بأن الفساد هو العائق الأكبر أمام أي تقدم حقيقي في المجتمع. إنه السرطان الذي ينخر في جسد الدولة والمجتمع ويقوض أي جهود نحو تحسين الوضع المعيشي أو تحقيق التنمية المستدامة واليوم مع تصاعد الوعي العام بمدى تأثير الفساد على مختلف جوانب حياتنا، أجد أن هذه القضية تظل محورا أساسيا في جميع النقاشات الوطنية. فهل من الممكن حقا مكافحة هذا الفساد الذي تغلغل في مؤسسات الدولة؟ وما هي الجهات التي تقف وراء عرقلة أي جهود حقيقية لوقف هذا التدهور؟ هذا المقال سيتناول تطور الفساد في جنوب اليمن، بدءا من مراحله المبكرة وصولا إلى وضعه الحالي، وسيسلط الضوء على التحديات التي تواجه الحكومة في مساعيها لإصلاح الوضع ومحاربة الفساد في البلاد.
قبل الحديث عن الجهات التي تعرقل برنامج حكومة بن مبارك لمكافحة الفساد من المهم أولا أن نعيد النظر في جذور الفساد في جنوب اليمن فقد بدا الفساد يتغلغل في المؤسسات بشكل تدريجي منذ فترة النظام السابق حيث سادت الدولة المركزية التي كانت تصدر الفساد إلى جميع المناطق ومع بداية التسعينات ومع بداية الوحدة بين الشمال والجنوب تفاقمت الأوضاع في الجنوب بسبب الصراعات السياسية والحروب التي أُقحم فيها الشعب، مثل حرب 94م، واجتياح الحوثي عام 2015م هذه الحروب كانت بمثابة الحافز للطبقات الفاسدة لزيادة تأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث استفادت من الأوضاع المتدهورة لتكريس الفساد.
في تلك الفترة بدأ يظهر طبقة جديدة من المنتفعين.. وهم أولئك الذين جمعوا ثرواتهم على حساب الفقراء من خلال الصفقات المشبوهة، الرشاوي، والمحسوبيات. هؤلاء لم يهتموا بمستقبل الوطن أو مصلحة الشعب، بل كانت مصلحتهم الشخصية هي الأولوية. من خلال السرقة والتجاوزات، تمكَّن هؤلاء من بناء إمبراطوريات مالية على حساب الحقوق العامة، وأثروا في المجتمع بشكل ملحوظ.
لقد كانت مؤسسات الدولة في جنوب اليمن في السابق مضرب مثل للنزاهة والشفافية. ولكن مع مرور الوقت وتحديدا بعد عام 2015م، أصبح الفساد المالي والإداري ينتشر في جميع القطاعات ليشمل حتى أكثر الوزارات حساسية وأهمية. وبدلاً من أن تكون الحكومات المتعاقبة في خط المواجهة ضد الفساد أصبح عدد من المسؤولين في تلك الحكومات هم من يساهمون في نشر هذه الآفة استفاد هؤلاء المسؤولون من وجودهم في مناصبهم الحكومية لتوسيع نفوذهم وتحقيق مصالحهم الخاصة من خلال عقود ومشروعات وهمية، وعبر بيع الوظائف الحكومية والمحسوبيات.
اليوم نجد أنفسنا في مواجهة دولة قد دمرت من الداخل نتيجة لتراكم الفساد الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة. من المؤسف أن بعض المسؤولين الذين كان من المتوقع أن يكونوا أول من يقود عملية الإصلاح، أصبحوا هم أنفسهم جزءا من المشكلة متورطين في صفقات مشبوهة وسرقات علنية ما كان من المفترض أن يكون منصة لبناء الدولة على أسس سليمة تحول إلى مصدر جديد للفساد.
وفي هذا السياق، تصبح الجهود المبذولة لمكافحة الفساد عبر برنامج الحكومة، بقيادة بن مبارك، في غاية الأهمية. ولكن، تتزايد الأسئلة حول من يقف وراء عرقلة هذه الجهود؟ من الذي يقف في طريق تطبيق الإجراءات التي من شأنها أن توقف الفساد؟ وما هي القوى التي تسعى للاستفادة من استمرار تدهور الخدمات في المحافظات المحررة؟ والأسئلة الأهم..من المستفيد من استمرار نهب المال العام؟ ومن المستفيد من بقاء تدهور الخدمات في المحافظات المحررة انطلاقًا من عدن؟ ومن المستفيد من عدم محاسبة مرتكبي مخالفات تتعلق بنهب المال العام بالملايين من الدولارات؟ خاصة عندما نتحدث عن ملايين الدولارات التي تضيع في صفقات وهمية وتجاوزات قانونية.
من الواضح أن الطريق إلى مكافحة الفساد ليس سهلا ولكن التحدي الحقيقي يكمن في إرادة المجتمع والدولة لمواجهة هذه الآفة وكشف من يقف وراء استمرارها فان أردتم بناء مستقبل أفضل للوطن فلتكونوا شركاء في عملية الإصلاح تؤمنوا أن محاربة الفساد هي الركيزة الأساسية لأي نهضة حقيقية..فلتكونوا جميعا صادقين مع أنفسكم ومع المواطن ولتتحركوا سويا نحو بناء مؤسسات دولة لا تساوم على الحق ولا تقبل الفساد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news