تمكنت فصائل الثورة السورية من السيطرة على العاصمة السورية دمشق، صباح الأحد الثامن من ديسمبر الفين وأربعة وعشرين للميلاد، بعد اثني عشر يوماً من الزحف الثوري، ودخلت سوريا مرحلة جديدةً، في ظروفٍ منفتحة على كل الاحتمالات.
الغالبية العظمى من العرب يقولون ان سوريا تحررت من إيران، وما تبقى منهم يحصرون الإنجاز على إزاحة نظام الأسد، مع استثناء المخدوعين الذين سلموا عقولهم لكهنة الحوزات فعبثوا بإعداداتها، وضبطوا تردداتها على ما يأتي من عمائم الخرافات المغرِّدة خارجَ المنطقِ وخارجَ الزمن.
غادر بشار الأسد سوريا، وطُويت صفحة حُكمهِ على وقع أحداثٍ غير متوقعة، شهدتها سوريا في إثني عشر يومًا، وربما تم الإعداد لها – عسكريًّا – في أكثر من اثني عشر عامًا، وسياسيًّا أكثر من ذلك بكثير.
أيادٍ كثيرةٌ دخلت المشهد السوري منذُ وقتٍ مبكر – ربما من قبل أحداث الفوضى التي أسماها الفوضويون ورُعاتُهم “الربيع العربي”- وأيادٍ أخرى تدخلت بعد ذلك، لكن ايادي السوريين التواقين للخلاص من جحيم القمع والاستبداد والفساد كانت الحاضر الأكبر في التحضير والاعداد للثورة، إلى أن تهيأت ظروف المنطقة وما حولها.
وقبل ذلك إرادةُ الله، التي هيأت تشابُكَ كثيرٍ من الأيادي، التي صنعت الأحداث على ارض سوريا، ومن خلفها أيادٍ ورؤوس كثيرة ساهمت في توجيه وإخراج المشهد، الذي بدا في أيامه الأولى غامضًا، واحداثه غريبة، وتفاصيلُه تقترب من الأساطير وأفلام الفنتازيا.
وبالتأكيد ليست كل الرؤوس التي شاركت في إخراج المشهد ملوثة، كما ليست كلها نقية، كذلك ليست كل الأيادي التي نفذت احداثه نظيفة، باستثناء الأيادي السورية التي كسرت قيدًا آذاها، فكان ما فعلته حقًّا مستحقًّا من حقوقها، ودفاعًا مشروعًا عن ذاتِها وهُويتِها وحاضرِها ومستقبلِها.
رؤوس عديدة تسابقت إلى توجيه المشهد والتأثير في تفاصيله – بل واستثماره – لغايات ومقاصد لا علاقة لها بمصلحة الشعب السوري، ولا تعنيها معاناته، ولها مآربُ اخرى في محاولة التدخل وتسجيل الحضور فيما حدث بسوريا، من هذه الرؤوس والأيادي أميركا والكيان الصهيوني وتركيا، ووقد يكون لكل من هذه الرؤوس ذراعَا او إصبعًا – على الأرض.
ورؤوس اخرى تسابقت للدفاع عن وجودها – غير المشروع – في سوريا، ومنها إيران وروسيا، مع ملاحظة ان إيران هي المتاجر الأكبر بما حدث من قبل وما يحدث اليوم في سوريا، وأن معظم صفقات إيران ومتاجرتها بالقضايا العادلة تعقدها مع الكيان الصهيوني ولمصلحته.
مشروعية ما حدث في سوريا مقصورة على الشعب السوري الثائر المقهور، الذي كان يتوق إلى الخلاص والحرية، وينشد حياةً كريمةً، استحال عليه نيلُها في ظل نظام الأسد، الذي ألقى بنفسه – او ألقي به – إلى مستنقع الفساد والطغيان والأزمات المتلاحقة، التي عجز عن احتوائها، حتى وجد نفسه بلا خيارات سوى المزيد من الغرق في هذا المستنقع.
وفي خضم المشهد – الذي تهاوت فيه محافظات ومدن سوريا تحت وقع الزحف الثوري – حضرت وتدخلت بعض الرؤوس والأيادي، التي حاولت أن تحتوي الصورة العامة، وتلملم ما أمكن من تفاصيل المشهد، وتجنب سوريا الدمار وحمامات الدم، وقد نجحت هذه الرؤوس والأيادي في إقناع الرئيس بشار الأسد بمغادرة السلطة والبلاد كخيار أقل كلفة عليه وعلى سوريا، والتهيئة لهبوط آمن لاركان نظامه وحكومته، وتخفيف حدة المواجهة العنيفة والنزق الثوري، بما يقلل من احتمالات الاصطدام الانتقامي والمتوحش والمدمر.
من التفاصيل المهمة في المشهد البيان الذي اعلنه رئيس الوزراء السوري، ودعا فيه إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة، وأكد انه باقٍ في سوريا، وليس لديه حرصٌ على المنصب وأنه سيعمل مع الجميع لتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية، فقد كان بيانًا مهمًّا وفي لحظة فارقة، ليأتي الرد الفوري – بعد اقل من ساعة – في بيان من قائد الثورة السورية، يدعو فيه إلى حماية المؤسسات وعدم المساس بها، والإبقاء عليها تحت اشراف رئيس الوزراء السابق، حتى يتم تشكيل حكومة انتقالية لسوريا.
هذه المواقف صورةٌ ونتيجةٌ من صور ونتائح التوجه الذي ابدته قيادات فصائل المقاومة عند دخولها بعض المدن، وربما شاركت في صناعته أيادٍ ورؤوسٌ تحمل الحد المطمئن من النبل والحرص والحكمة، وهي رؤوس وأيادٍ قد تكون ظاهرةً وواضحةً ومعروفةً للمتابع المطلع، لكنها لم تكشف عن نفسها بعد.
أحداث سوريا – رغم الكثير من الغموض الذي يلفها – تكشف الكثير من التفاصيل التي كانت مثار جدلٍ وشكوك، لعل ابرزها: كذبة الأمريكان في محاربة الارهاب، وكذبة إيران التي تدعي انها شكلت محور المقاولة لنصرة فلسطين، في حين انها خدمت بمحورها واذرعها الارهابية الكيان الصهيوني كما لم يخدم نفسه.
ولا شك ان تطورات الاحداث ونتائحها النهائية في سوريا ستكشف تفاصيل مهمة وكثيرة وكبيرة، ولكن اهم سؤال ستجيب عنه النتائج هو:
هل يستطيع الموصومون بالتطرف والإرهاب – من ابناء سوريا المشاركون في احداث تحريرها – ان يتطهروا من سواد التعبئة الأيديولوجية المتعصبة، وينفضوا عن عقولهم عُقد الأنانية والانغلاق على الذات وتقديس المرجعيات والتوجهات، ليصنعوا لأنفسهم ولسوريا نصرًا قوامه سوريا الواحدة الموحدة بكل تنوعها؟.
ام انهم سيمضون على المنهجية التقليدية لتنظيم داعش والقاعدة وجماعة الإخوان، ويحوِّلون النصر إلى مرحلة جديدة من الصراعات الدموية التي قد تأكل أخضر سوريا ويابسِها، وتحول الانتصار إلى بدايةٍ للانتحار؟.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news