(قاسم الأهبل يصل إلى مدينة عدن)
عند وصوله مدينة عدن نزل قاسم الأهبل في مطعم عبده سعيد. وكان عبده سعيد قد استقبله ورحب به ولم يكتف بأن تركه ينام ويأكل في مطعمه مجانًا وانما كان يعطيه مصروف جيب وبعد مرور أسبوع على وصوله عدن اخذه ابنه أحمد إلى مستشفى الملكة اليزابت لإجراء فحوصات وعندما اخبره الطبيب المختص بأنه عقيم ولايمكنه الانجاب شعر قاسم كما لو أن الطبيب يهينه ويجرده من رجولته وبدلا من أن يتلقى الخبر بهدوء راح يشتم الطبيب الذي قام بفحصه ويشتم الأطباء بدون استثناء ولشدة ماكان مستثارًا أخرج عضوه وراح يلوح به أمام الأطباء والممرضات ويصرخ بكل صوته قائلًا وهو يشير إلى صورة الملكة اليزابت المعلقة على الحائط:
– “انا أرجل منكم كلكم واقدر أحبل ملكة النصارى ولو ماحبلتها مانا قاسم الأهبل”.
وكان مرافقه أحمد ابن صاحب المطعم يراجعه ويقول له وهو في غاية الإحراج:
– “ياقاسم عيب مش هكذا ياقاسم”.
وقاسم يواصل اللعن والسب والشتم وخرج أطباء من عياداتهم لمعرفة سبب الضجة لكنهم لم يكونوا يفهمون مالذي يقوله ولايعرفون سبب ثورته وعندما قيل لهم بأنه شتمهم وشتم الملكة اتصلوا بالإدارة والإدارة أستدعت الأمن وجاء رجال أمن المستشفى وانقضوا عليه بالهراوات.
وكان أحمد بن عبده سعيد صاحب المطعم يقول لهم بالعربية وبالإنجليزية بأن الرجل أهبل لايعي مايقول ويطلب منهم أن يتوقفوا عن ضربه لكنهم واصلوا ضربهم له وبعد أن اوسعوه ضربًا وأدموه سحبوه سحبًا إلى خارج المستشفى والقوه كما يلقون بكيس زبالة.
وبعد عودتهما إلى المطعم استغرب عبده سعيد عندما أبصر وجه وقميص قاسم الأهبل مغسولان بالدم وحين سأل ابنه أحمد عما حصل. أخبر الولد أباه بما حدث في المستشفى وعندئذ راح عبده سعيد يلومه ويقول له:
– ياقاسم مالك تجننت!!.
وماهو الذي خلاَّك تسب وتشتم الدكاترة وتخرِّج زبك وتقول أنك باتحبل ملكة بريطانيا!!.
قال له قاسم الأهبل وهو محرج وقد شعر بالندم:
– “قدك داري ياعبده سعيد اننا اهبل”.
وكان قاسم بعد أن خبره الطبيب المختص بأنه عقيم قد استرجع نبوءة الفقيه وشعر بالرعب وفقد الأمل في الانجاب وفي أن يكون له اسرة صغيرة وكل هذا أثار في نفسه شعورًا بالغضب وجعله يهيج ويخرج عن طوره لكنه بعد عودته للمطعم وبعد أن تغدى وخزن هدأت أعصابه ثم مالبث ان خرج من همِّ التفكير بأمر نفسه إلى هم التفكير بمصير أبناء جنسه وقرر أن يذهب للفقهاء ويطرح عليهم أسئلته حول وجود ومصير الهبلان ليرى ماذا سيكون ردهم لكن هناك من أشار إليه بالذهاب إلى الصحف وقال له بأن الصحف هي من ستتكفل بإيصال أسئلته إلى الفقهاء ورجال الدين.
وكل صباح كان قاسم بعد أن ينتهي من تناول فطوره في مطعم عبده سعيد يُبَرْطِع في الشوارع ويمر على مقرات الصحف ويطرق أبوابها ويطلب مقابلة رؤساء التحرير وحين كانوا يسألونه عن الهدف من رغبته في مقابلة رئيس التحرير يخبرهم بحكايته وكيف أنه جاء من قريته ومعه اسئلة للفقهاء ورجال الدين ويريد منهم نشرها في صحفهم كي يجيبوا عليها وكان مظهره وقامته ووسامته وكذا ثقته بنفسه يوحي لهم بأنه شخص مهم ولديه أسئلة مهمة لكنهم عندما كانوا يسألونه عن الأسئلة التي يريد منهم نشرها يقول لهم:
– ليش الناس يتوالدوا ويتكاثروا والهبلان يتناقصوا؟.
– ليش الله يكره الهبلان وناوي يقطع نسلهم ويهلك ذريتهم؟.
– لو الله مش هو الذي خلق الهبلان من خلقهم؟.
– ولو هو خلقهم ليش خلقهم ورجع يكرههم ويشتي يهلكهم؟.
وكانوا بعد أن يسمعوا أسئلته يعرفون بأنه أهبل ويعتذرون له لكنه لم ييأس وراح يواصل طرق أبواب الصحف الواحدة بعد الأخرى ونصحه بعضهم بالذهاب إلى صحيفة “الفضول” وذهب قاسم وأبدت الصحيفة اهتمامًا بقضيته وقضية أبناء جنسه من البلهاء وقامت بنشر أسئلته مع صورة له وخبر عنه يقول:
– (وصل إلى مقر الصحيفة رجل أبله من “قرية العكابر” في شمال اليمن، ولديه أسئلة مهمة تتمحور حول مصير أبناء جنسه الهبلان ونتمنى من الفقهاء ورجال الدين وغيرهم من أصحاب الإختصاص والمهتمين أن يجيبوا عليها ويوافونا بإجاباتهم لنقوم بنشرها تعميما للفائدة).
وكان إن أثارت أسئلة قاسم الاهبل عاصفة من الجدل في المساجد والمدارس وفي النوادي والمنتديات وفي المقاهي ومجالس القات. وراحت النقاشات تدور وتحتدم حول الهبلان وحول الحكمة والغاية من خلقهم والهدف من وجودهم وكان أن أنقسم الفقهاء ورجال الدين وانقسم الناس وانقسم الشارع حولهم وأعاد بعض الفقهاء نفس كلام الفقيه وقالوا بأن الله أعظم وأسمى من أن يخلق الهبلان ويملأ العالم بالبلهاء. وقال آخرون بأن الطبيعة هي التي خلقتهم وكانت حجة هؤلاء هي أن الطبيعة تخطئ وتصيب فيما الله يصيب ولايخطئ.
وفسر بعضهم تناقص أعداد الهبلان بنظرية الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح وثمة من قال بان تناقص أعدادهم دليل على أن الله غاضب عليهم وغير راض عنهم، وهناك من قال بأن الهبلان ليسوا ناسًا وليسوا آدميين، وأنهم بقايا جنس قديم انقرض.
وفيما قال البعض بان الهبلان أبرياء كالأطفال وأنهم اقرب للملائكة منهم للبشر قال آخرون بأنهم أكثر شرًا من الأشرار وأنهم بدون ضمير لايفرقون بين الحلال والحرام ولايميزون بين الله والشيطان. وضرب اصحاب هذا الرأي أمثلة على جرائم قتل واغتصاب قام بها اشخاص بلهاء. وخلال أسابيع كانت تلك الأسئلة التي حملها قاسم الأهبل من قريته قد توالدت وتناسلت وكان الكل يسأل ويتساءل:
هل الهبلان مسلمون أم كفار؟ وهل يوم الحساب والعقاب سوف يعاقبون أم لا ؟وهل سيدخلون الجنة أم النار؟ وكانت الصحيفة تتلقى كل يوم سيلًا من الرسائل من فقهاء ورجال دين ومن محامين ومثقفين ومدرسين ومن ناس عاديين، وكان الكل قد راح يدلي بدلوه البعض يجيب والبعض يسأل وكانت الصحيفة تنشر الأجوبة والأسئلة والناس يقبلون على شراءها لكيما يقرأوا كل ماينشر فيها عن الهبلان وعن الحكمة من خلق الله لهم والغاية من وجودهم.
وارتفعت أصوات تحتج على وجود قاسم الأهبل في عدن وتتساءل قائلة:
كيف دخل هذا الاهبل إلى مدينة عدن؟ ومن سمح له؟.
وراحت هذه الأصوات تطالب بالقبض عليه وارجاعه إلى بلاد الهبلان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news