أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
من منظور سياسي، يعد الفساد أحد أبرز العوائق التي تحول دون تحقيق الاستقرار في اليمن.
ومؤخرا كشفت تقارير نشرتها الحكومة المعترف بها دوليا عن قضايا فساد بمبالغ ضخمة تزيد عن مليار وسبعمائة مليون دولار في سبع جهات حكومية، ما أثار جدلاً واسعاً حول مدى تفشي هذه الظاهرة في بلد يعاني من الحرب والفقر.
في حديثهم لـ”يمن ديلي نيوز” تناول خبراء الاقتصاد والمحللون اليمنيون أبعاد هذه الكارثة الاقتصادية، مشيرين إلى أن الفساد ليس وليد اللحظة، بل تعمّق مع غياب الدولة وانتشار الفوضى، مما يجعل محاربته ضرورة لا تحتمل التأجيل.
الفساد كثقافة
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت الدكتور “محمد الكسادي”: الفساد للأسف أصبح ثقافة منتشرة في الشعب، وأصبح المسؤول الذي لا يفسد ليس مسؤولا، وفي نظري أن الكشف عن قضية فساد بمبلغ مليار و700 مليون دولار في دولة كاليمن تعيش حالة حرب، دليل على وجود تسيب واضح.
وأضاف في حديثه مع “يمن ديلي نيوز”: “الفساد المستشري في البلاد كان موجوداً منذ أيام النظام السابق، لكن زادت حدته بشكل كبير مع الحرب. ومن الطبيعي في بلد فقير مثل اليمن ويعيش في ظروف حرب أن يحدث فساد في ظل غياب مؤسسات الدولة.”
وتابع متسائلاً: “بالطبع، هي كارثة، حتى إذا تم الكشف عن هذه الملفات، هل ستكون هناك محاسبة وعقوبات؟ إذا كان هناك محافظ سابق يمتلك 27 مليار ريال، ولا يزال فاراً من العدالة، من يحاسب من؟ هل الأجهزة الرقابية ستقوم بعملها؟”
وأشار الكسادي إلى أن أجهزة الرقابة والمحاسبة تكشف تقارير تتحدث عن قضايا الفساد، لكنها غير قادرة على محاسبة المسؤولين والمتهمين الذين نهبوا أموال الدولة، وبالتالي فإن عدم تطبيق الأحكام والقوانين بحقهم، وعدم مصادرة أموالهم، يساهم في عدم ردعهم.
وشدد على التدوير الوظيفي خاصة في المناصب الإيرادية، وأن لا يستمر المدير في إدارته أكثر من ثلاث سنوات، لأنه سيشكل لوبي وعصابة وقاعدة فساد في المرافق، خاصة في الجمارك والضرائب وكل مكاتب المحافظة.
وأكد على ضرورة القضاء على ظاهرة الفساد لأنها أصبحت سائدة في المجتمع اليمني.
فساد متعمق
أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور “محمد قحطان” من جانبه قال: “الفساد في اليمن عميق وتعمق أكثر مع غياب الدولة، وما نُشر عن الرقابة والمحاسبة من قضايا فساد يعكس حجم الكارثة.”
وأضاف قحطان في حديث مع “يمن ديلي نيوز”: “قضية فساد بمبلغ مليار و700 مليون دولار تشير إلى أن الانهيار الاقتصادي والإنساني الذي تعيشه البلاد حالياً يعود بدرجة أساسية للفساد. ومن المستحيل مواجهة الانهيار الاقتصادي دون محاربة الفساد، ولا يمكن الوفاء بالالتزامات المالية للحكومة دون ذلك.”
وعن توقعاته للإجراءات التي قد تلحق كشف بعض صور الفساد، قال أستاذ الاقتصاد قحطان: “اعتدنا على أن قيادات الدولة عاجزة عن مواجهة تلك الظواهر، ولذلك أمامنا احتمالين: الأول أن تتحرك مؤسسات الدولة السياسية والتنفيذية والقضائية لمواجهة الفساد بسبب الضغوط الخارجية.”
الاحتمال الثاني هو أن تستمر الحكومة في عجزها، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ونصل إلى ما يعتقد أنه قادم، وهو ثورة جياع.
أولى الخطوات
وفي السياق، قال المحلل والخبير الاقتصادي “عبد الحميد المساجدي”: إن “كشف قضايا الفساد وفضحها ووضعها أمام الرأي العام هي أولى خطوات الإصلاحات الاقتصادية التي طالما نادى بها الجميع.”
واعتبر المساجدي “ممارسات الفساد السبب الرئيسي في تخلف اليمن، وانهيار الوضع الاقتصادي، وتدهور الوضع المعيشي، وتردي الوضع الإنساني، كما أسهمت في اختلال توزيع الثروة وإثراء شخصيات معينة على حساب حرمان فئات واسعة من الناس من حقوقهم الأساسية.”
وأشار المساجدي في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” إلى أن “هذا الفساد ناتج عن غياب المراجعة والرقابة والمحاسبة بسبب ضعف أدوات الدولة والمجتمع المدني في مراقبة السلطة التنفيذية في تنفيذ الميزانية العامة للدولة.”
وأضاف: “هناك وقفات احتجاجية وإضراب شامل بسبب عدم صرف المرتبات، وتدهور قيمة العملة، وعجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها في تقديم الخدمات، وهذا كله بسبب تفشي ظاهرة الفساد في الحكومة.”
وشدد “المساجدي” على أن كشف قضايا الفساد هو أولى الخطوات لمواجهته، ولكن ينبغي أن نسأل الحكومة لماذا المماطلة في كشف قضايا الفساد؟ ولماذا تأخر الكشف عنها منذ 2018 أو 2021؟
وتابع قائلاً: “نأمل أن تكون هذه الخطوة بذرة في اتجاه المضي قدماً في محاسبة الفاسدين وتجريدهم من مناصبهم، وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم، ولتكون عبرة لغيرهم ليتجنبوا أي ممارسات فساد مستقبلية.”
وأضاف متسائلاً: “ماذا يعني جرائم الفساد؟ نحن نتحدث عن جرائم فساد تعادل 2 مليار دولار. ماذا لو أسهم هذا الرقم في الناتج المحلي الإجمالي؟ ماذا لو ساهم في تغطية عجز ميزان المدفوعات أو الاحتياطي العام للبنك المركزي؟ ماذا لو كان قد أسهم في استثمارات الحكومة؟”
وأضاف: “بالتأكيد، هذا الرقم كان سيخفف من الفقر، وكان سيسهم في تقوية موقف الحكومة في القيام بواجباتها تجاه المواطنين.”
وأشار المساجدي إلى أن فضح الفساد يعني تقليص حجمه في الفترة المقبلة، وهذا ما نأمل أن يتحقق من خلال الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، وأدوات الدولة في مختلف هياكلها ومؤسساتها. كما يجب أن تصبح ثقافة محاربة الفساد ثقافة أصيلة.
وتوقع المساجدي أن يحد فضح قضايا الفساد من تفاقمها، ولن تتاح الفرصة لمن تسول له نفسه العبث بالمال العام أو نهبه، سواء كان من خلال نهب الأراضي أو التلاعب في العقود أو التلاعب في المحررات والعقود الرسمية، أو تغليب مصالح المفسدين على مصالح الدولة.
وفي ظل الأرقام الصادمة والتصريحات التي تبرز حجم الكارثة، يبقى الفساد في اليمن عائقًا رئيسيًا أمام أي جهود للتعافي الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. وبينما يرى الخبراء أن كشف قضايا الفساد وفضحها هو خطوة أولى نحو الإصلاح، تبقى المحاسبة الفعلية ومساءلة المتورطين هي الاختبار الحقيقي لجدية الدولة في مواجهة هذا الملف الشائك.
اليمن يقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن تتحرك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بفاعلية للحد من الفساد واستعادة ثقة المواطن، أو أن تستمر الأوضاع في الانهيار، مما يهدد البلاد بمزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. مواجهة الفساد ليست مجرد خيار، بل ضرورة لإنقاذ اليمن من دائرة الفقر والاضطراب.
مرتبط
الوسوم
فساد شركة بترومسيلة
إحالة قضايا فساد إلى النيابة
اليمن ـ قضايا الفساد
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
وزارة الخدمة المدنية تفاجئ الجميع...هؤلاء هم الموظفون الذين سيحصلون على مرتبات ديسمبر 2024
أعلنت شرطة محافظة البيضاء التابعة لقوات حكومة صنعاء مصرع القيادي في تنظيم “داعش”، فيصل ا
الحكم بإعدام ممرضة هندية والهند تناشد خامنئي وصنعاء ترفض الضغوطات والقضية تتصدر ترند الهند …ماهي الت
وثق مقطع فيديو، تداوله رواد منصة إكس، ونشرته وسائل إعلام محلية سعودية، قيام مواطن سعودي بتقديم 8 من
زوج اشترى قطعة أرض 1000متر في حي الملقا بالرياض عام 2002 وبنى عليها بيت العمر وسجلها باسم زوجته.. وب
كواليس حرب اليمن 1979...الرئيس علي ناصر بعد 45عامًا يكشف اسم الدولة العظمى المعارضة للوحدة اليمنية "