الشاهد برس | رشيد البروي.

حين رحل الشاعر الكبير عبدالله البردوني، ترك فراغًا أدبيًا وثقافيًا وفكريًا كبيرًا في الساحة اليمنية، فراغًا بدا وكأنه لا يمكن ملؤه، إلا أن الدكتور عبدالعزيز المقالح استطاع بعبقريته وحضوره الثقافي والفكري بجانب دعم الدولة آنذاك أن يشغل هذا الفراغ، كان المقالح امتدادًا طبيعيًا للبردوني، وكلاهما شكّلا رمزًا ثقافيًا له ثقله في عقل الإنسان العربي والمسلم، وفوق هذا وذاك لعب إعلام السلطة الرسمي آنذاك وإعلام بعض الدول الخليجية دورا كبير في إظهار هاذين الأسمين كواجهة فكرية وثقافية تمثل اليمن الكبير..

وبعد وفاة المقالح، بدا أن كل شيء قد انهار، وكأن اليمن عقمت نساؤها عن إنجاب أدباء وشعراء وعلماء ومثقفين قادرين على الاستمرار في مسيرة التنوير والنهضة.

هل المشكلة في غياب العقول أم تهميشها؟

المأساة ليست في عدم وجود مبدعين من وزن البردوني والمقالح؛ فاليمن مليئة بالمواهب المدفونة، فهناك آلاف البردوني والمقالح الذين يعيشون في الظل، بعيدًا عن الأضواء، بسبب غياب الدعم الحقيقي والإعلام المهني الذي يمكن أن يبرزهم، الأمر لا يتعلق بنقص العقول بل بنقص التقدير والاهتمام.

اليوم حضرت حفل تكريم أحد فلاطحة العلوم الفيزيائيه وأحد النماذج الحية التي عانت وتعاني التهميش، إنهُ #الدكتور_محمد_قاسم_المتوكل، أحد أعلام الفيزياء في اليمن، خمسون عامًا من العطاء الأكاديمي والبحث العلمي المتميز، أفنى خلالها عمره في خدمة المعرفة، ومع ذلك لم ينل حقه من التقدير سوى لحظات احتفائية عابرة، سرعان ما تُنسى.

الدكتور المتوكل، مثل اليمن في اكثر من محفل دولي، وفي كل مره يعود من بلد إلى صنعاء تجده مثل أي دكتور جامعي أو مدرس تربوي يمارس روتين عمله كماهو المعتاد دون أن يلقى حتى قليلًا من الاهتمام والتكريم من قبل الدولة وأين هي الدولة يا للأسف….! كل شعوب ودول العالم تسعى لتخليد رموزها العلمية والأدبية والثقافية، عدا نحن، نجد أنفسنا في اليمن نتفنن في تهميشهم، بينما نصنع من التافهين “نجومًا” بأضواء الإعلام الباهتة.

إلى متى هذا التهميش؟

الأمم التي تنهض هي التي تكرّم عقولها وتحتفي بمبدعيها، لا تلك التي تطمسهم وتُعلِي من قيمة  أصحاب العقول المسطحة من المشاهير والممثلين والتافهين .

يا دولتنا الموقرة إن إبراز وصناعة المفكرين لا تأتي من خارج نطاق الكون فأنتم معنيون في التكريم والاهتمام بالشخصيات العظيمة التي تمثل صورة اليمن كبلد جذورة منغرسة في أعماق التاريخ.