مع أول قطرات المطر.. كان إبني.. يركض بخطواته كالغزال صعودًا نحو سقف المنزل، يزيل الأتربة والحصى أمام مسارب الماء ليتدفق للخارج!.

مرة سألته مستغربًا ومنفعلًا:

ماذا تفعل يا ولدي في السقف بين المطر.. سقفنا لا يخشى منه مثل سقوف الجيران..!!

رد علي مبتسمًا.. أرمم الشقوق الصغيرة على السطح، حتى لا يتسرب الماء ويتساقط على رؤوسكم يا أبي!!

ليلة أمس واليوم تساقط المطر حاملًا بين روائحه.. رائحتك يا ولدي!

تسربت قطرات من السقف وتساقطت إلى الغرف وبللت رؤوسنا !!

انحدرت إحدى قطراته من رأسي واستقرت في فمي.. كان مذاقها مالحًا.. مالحًا على غير العادة!.

إذن.. لقد فعلها المطر حقًا.. تسربت المياه عبر الشقوق إلى الداخل.

هذا اليوم، أدركت أن الملوحة في فمي ليست لقطرات المطر وحده.. بل امتزجت ببكاء ودموع سقف المنزل وجدرانه الذي أفتقد وجودك.. منذ أعتاد على وقع أقدامك ويديك الحانية وهما تضمدان جروح سقف المنزل، وترممان الشقوق الصغيرة.

الشقوق.. المتعذر رؤيتها علينا في السطح والحيطان !.

افتقد الجميع… خشيتك علينا من البلل.. حين كنت مظلته فوق رؤوسنا.

كلما أومض بارق.. أو حن رعد!!

أعتذر لك يا (قطعة قلبي) كم كنت مخطئًا في سؤالي، ومسرفًا في انفعالي حينها، حتى اصابني البلل وأدركني الفقد… لرحيلك!!.

أسأل الله تعالى بعدد ما أنزل من قطرات المطر أن يبللك بالرحمة والمغفرة ويرفعك مقاما محمودًا في جنات النعيم.. ويلحقنا بك وهو راض عنا والحمدلله حمدًا كثيرًا دائمًا وأبدًا.. اللهم يا رب.