الجنوب اليمني | خاص
باتت ظاهرة تدفق اللاجئين الأفارقة المتزايد في محافظة أبين تأخذ أبعاداً مقلقة، وقد شكلوا حضوراً كثيفاً في العديد من مناطق المحافظة، وما كان ينظر إليه في السابق كعبور مؤقت للاجئين نحو دول أخرى، تحول تدريجياً إلى حالة استقرار غير منظمة في مدن وبلدات أبين، وسط غياب شبه كامل للدولة والأجهزة الأمنية.
مدينة شقرة، الواقعة على الساحل، أصبحت واحدة من أكثر المناطق التي تشهد انتشاراً ملحوظاً لهؤلاء اللاجئين، حيث انتقلوا من الإقامة في المخيمات إلى التواجد في الأحياء السكنية، ما دفع الأهالي إلى رفع العديد من الشكاوى للجهات المعنية، وعبر المواطنون عن قلقهم من تجول أفراد “الأورمو” في الأحياء، وطرق أبواب المنازل للتسول، رغم امتلاكهم مبالغ مالية كبيرة من العملات الصعبة.
الحالة الأمنية باتت على المحك، في ظل انتشار معلومات عن تورط بعض أفراد هذه الفئة في ممارسات غير قانونية مثل تجارة المخدرات وتهريب السلاح، فضلاً عن تصاعد المخاوف من أن يتحول اللاجئون إلى عنصر تهديد مباشر لاستقرار المنطقة، في ظل تجاهل مستمر من قبل السلطات المحلية والمركزية، وغياب أي تحركات جدية لوضع حد لهذه الظاهرة التي قد تتفاقم في المستقبل إذا لم يتم التعامل معها بحزم.
وفي سياق متصل كشفت مصادر خاصة لـ “الجنوب اليمني” عن معلومات خطيرة تتعلق بوجود مراكز مشبوهة في المدينة تعمل في مجالات الدعارة وبيع الخمور والمخدرات، ويحظى بعضها بحماية مباشرة من قيادات في مليشيا “الحزام الأمني”، حتى محاولات بعضهم لشن حملات أمنية على هذه الأوكار تأتيهم توجيهات عليا من قيادات الحزام الأمني تمنع التدخل.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على أبعاد هذه الظاهرة، ونستعرض شكاوى المواطنين، ونحاول استقصاء أسباب تزايد أعداد “الأورمو” في الأحياء السكنية بمدينة شقرة، ودور السلطات في التعاطي مع هذه الأزمة المتصاعدة.
شكاوى المواطنين وسط غياب الدولة
رفع مواطنو مدينة شقرة الساحلية بمحافظة أبين عدة شكاوى للجهات المختصة، معبرين عن قلقهم المتزايد من الانتشار الملحوظ لأفراد من عرقية “الأورمو” الإفريقية في الأحياء السكنية، حيث تحدث الأهالي عن تكرار طرق أبواب المنازل من قبل هؤلاء الأفارقة، بهدف التسول وطلب المعونات، ما أثار حالة من الخوف والريبة.
ويعيش سكان المدينة حالة من عدم الأمان وسط انتشار أفراد “الأورمو” في الأسواق والأحياء، في مشهد يمتد ليشمل شوارع محافظة أبين، ويعبر الأهالي عن خشيتهم على أطفالهم، الذين أصبحوا أكثر حذراً في اللعب أو الخروج بمفردهم، خشية التعرض لمضايقات أو مخاطر.
وتثير مشاهد انتشار “الأورمو” في الأسواق بحوزتهم مبالغ مالية بالعملة الصعبة -من الريال السعودي والدولار- تساؤلات المواطنين حول كيفية حصولهم على هذه الأموال، في الوقت الذي لا يزالون فيه يتجولون بين الأحياء طلباً للمساعدة، ومع غياب واضح لدور السلطات في التعامل مع هذه الظاهرة، يستمر شعور الأهالي بالخوف، في ظل دولة تبدو غائبة عن المشهد.
لاجئون بعملات صعبة .. أسئلة بلا إجابات في شقرة وأبين
يثير الانتشار المتزايد لأفراد “الأورمو” في مدينة شقرة الساحلية بمحافظة أبين تساؤلات عديدة حول مصدر الدعم المالي الكبير الذي يحمله هؤلاء اللاجئون، خاصة أنهم يظهرون في الأسواق يحملون مبالغ بالعملة الصعبة، بينما يستمرون في طرق أبواب المنازل للتسول وطلب المعونات.
يتساءل المواطنون عن الجهات التي تقف وراء نقل هؤلاء اللاجئين إلى اليمن بأعداد ضخمة ومستمر، دون أي رقابة رسمية أو تدخل حكومي، كما يثير غياب الدولة الشرعية اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي عن مواجهة هذه الظاهرة تساؤلات أكبر حول أسباب هذا الغزو المستمر من اللاجئين الأفارقة، دون إنشاء مخيمات رسمية أو إخضاعهم لإشراف أمني ورعاية إنسانية.
ويشير السكان إلى أن الأورمو -وهي واحدة من أكبر العرقيات في إثيوبيا- ينتمي أغلب أفرادها إلى مناطق مستقرة وآمنة، ولا تعاني بلادهم من حروب أو نزاعات تستدعي اللجوء إلى دول أخرى كاليمن، ورغم ذلك تستمر أعدادهم في التزايد داخل أبين، ما يضاعف مخاوف السكان المحليين من تداعيات هذه الظاهرة.
يطالب مواطنو شقرة السلطات الرسمية مراراً بضرورة الحد من تجول “الأورمو” في الأحياء السكنية، وإلزامهم بالبقاء في المخيم المخصص لهم في منطقة “تمحن” الساحلية شرق زنجبار، ويرى الأهالي أن غياب الدولة وضعف أجهزتها الأمنية حوّل أبين إلى ملاذ غير رسمي للاجئين الأفارقة، وهو ما يرفضونه بشدة، مشددين على ضرورة تحمل الأجهزة الأمنية بالمحافظة لمسؤولياتها القانونية والأخلاقية في توفير مخيمات تحت إشراف أمني كامل بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويحذر المواطنون من أن استمرار تجاهل الدولة لهذه الظاهرة قد يؤدي إلى احتكاكات خطيرة بين السكان وأفراد الأورمو، في ظل تصاعد حالة التوتر والخوف، وفي مجتمع مسلح كأبين قد تتحول أي حادثة بسيطة إلى مواجهة مسلحة، خاصة أن امتلاك السلاح الشخصي أمر شائع بين المواطنين.
وبينما تستمر السلطات في تجاهل شكاوى وبلاغات السكان، يظل الوضع مرشحاً لمزيد من التصعيد، في ظل غياب الحلول الفعلية لهذه الأزمة المتفاقمة.
من ممر عبور إلى محطة استيطان
لطالما كانت محافظة أبين محطة عبور للاجئين الأفارقة في طريقهم إلى مناطق أخرى غالباً باتجاه الحدود السعودية، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحولاً لافتاً، حيث أصبحت أبين وجهة استقرار واستيطان لكثير من هؤلاء اللاجئين، في ظل غياب الرقابة والرعاية الرسمية أو الأممية.
هذا التحول المفاجئ أثار قلق السكان المحليين الذين يرون في هذا الاستيطان غير المنظم تهديداً للأمن والاستقرار في مناطقهم، وسط تساؤلات عن أسباب ترك اللاجئين دون أي متابعة أو تنظيم من قبل السلطات المختصة.
مراكز دعارة ومخدرات تحت حماية الحزام الأمني
كشفت مصادر خاصة لـ “الجنوب اليمني” عن معلومات خطيرة تشير إلى وجود مراكز للدعارة وبيع الخمور والحشيش في محافظة أبين تعمل تحت حماية مباشرة من قيادات في مليشيا “الحزام الأمني”.
وأفادت المصادر أن الحملات الأمنية لمداهمة هذه المراكز تمنع بشكل متكرر بأوامر عليا تصدر من قيادات خارج المحافظة، حيث أكد أحد الجنود في “الحزام الأمني” لـ “الجنوب اليمني” أن محاولات تنفيذ مداهمات غالباً ما يتم إيقافها قبل انطلاقها، مشيراً إلى أن من يتم القبض عليهم متلبسين في هذه الأوكار يطلق سراحهم فور وصولهم إلى سجن أبين المركزي.
وأوضحت شهادات عيان أن مخيم اللاجئين في منطقة “تمحن” يستخدم كنقطة لاستلام وتوزيع شحنات المخدرات، بمساعدة عملاء يعملون لصالح الإمارات ويحظون بحماية الحزام الأمني.
وأظهرت تقارير ميدانية رصدتها “الجنوب اليمني” ارتفاعاً مقلقاً في معدلات الإدمان بين الشباب في مدينتي جعار وزنجبار، ترافقه زيادة واضحة في جرائم القتل والسرقة والانحراف السلوكي، وهو ما تبين بعد تحقيقات معمقة أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنشاط هذه المراكز المشبوهة.
هذا الواقع يثير تساؤلات عديدة حول دور الجهات الأمنية ومسؤوليتها في حماية المجتمع، في ظل تصاعد المخاوف من تفاقم الظاهرة وانعكاساتها السلبية على النسيج الاجتماعي في أبين.
قوارب اللاجئين تصل دون رقابة .. ومخاوف أمنية تتصاعد في شقرة
تواصل قوارب اللاجئين الأفارقة رسوها على سواحل محافظة أبين دون أي رقابة أو تدخل من قبل الدولة، في مشهد يعكس غياباً واضحاً للسلطات ويفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول التداعيات الأمنية والاجتماعية لهذا الوضع.
وفي تصريح رسمي لموقع “الجنوب اليمني”، أوضح مدير البحث الجنائي في شقرة النقيب أمين مبارك، تفاصيل مثيرة حول توافد اللاجئين من عرقية “الأورمو” إلى المنطقة.
وأكد النقيب مبارك أن هؤلاء الأفارقة -غالبيتهم من الديانة المسيحية- يدخلون البلاد بشكل غير قانوني عبر البحر بمساعدة مهربين، ليتمركزوا في مخيم أقيم في منطقة “تمحن” غرب شقرة، دون أي إشراف من الدولة أو المنظمات الدولية.
وأشار النقيب مبارك إلى أن مخيم “تمحن” أقيم بمبادرة من بعض القبائل المحلية وليس بقرار حكومي، ويقع مباشرة على ساحل البحر، ما يجعل اللاجئين على اتصال مباشر بالقرن الإفريقي عبر قواربهم الخاصة، التي تستخدم في عمليات تهريب مستمرة بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية.
وأضاف أن اللاجئين يمتلكون مبالغ مالية ضخمة من العملات الصعبة، بما في ذلك الدولار والريال السعودي، دون معرفة الجهة التي تمدهم بهذه الأموال، ورغم هذه الإمكانيات يظهر اللاجئون بشكل متزايد في شوارع شقرة، حيث يتسولون ويثيرون قلق السكان، في حين يستخدمون الأموال لشراء مواد غذائية وأجهزة اتصال، ويستفيدون من شبكة إنترنت قوية في المخيم.
وأوضح النقيب مبارك أن أغلب هؤلاء اللاجئين هم من فئة الشباب دون كبار سن، فيما لا تتجاوز أعمار النساء المرافقات لهم 25 عاماً، وتقدر أعدادهم بالآلاف، وسط تصاعد واضح في حضورهم بمدينة شقرة، ما تسبب في حالة من الإزعاج والخوف بين الأهالي، الذين يشعرون بتهديد محتمل لأمنهم واستقرارهم.
وأكد النقيب أن هذا الوضع يمثل تهديداً مباشراً للأمن والسلم المجتمعي في المنطقة، مشدداً على أن استمرار وجود هذا المخيم دون رقابة أو إشراف رسمي يجعله بمثابة “خنجر مسموم” قد ينغرز في خاصرة البلاد في أي لحظة.
وفي ختام تصريحه، أكد النقيب أمين مبارك أن الأجهزة الأمنية تتابع الوضع عن كثب، واعداً بمزيد من التفاصيل حول هذه الظاهرة المتصاعدة.
جرس إنذار قد يزهر كارثة
ما يحدث في محافظة أبين تحديداً في مدينة شقرة، تحدّ صارخ لسيادة الدولة وأمن المجتمع، حيث يتحول اللاجئون من عرقية “الأورمو” من مجرد عابرين إلى مستوطنين غير شرعيين في ظل غياب تام للرقابة الرسمية.
ومع استمرار هذه الظاهرة دون تدخل فعّال، فإن النتائج ستكون كارثية، فالوضع الحالي يعكس تهاوناً لا يمكن السكوت عنه، ما يعرض الأمن العام للاستنزاف، وقد يعمق الأزمة في جميع أنحاء البلاد.
ختاماً، على الجهات المعنية بالأمر أن تدرك أن الوقت لم يعد في صالحها، وأن استمرار هذا التراخي سيترتب عليه تداعيات أكبر وأخطر على المستقبل، وعاجلاً أم آجلاً سيأتي اليوم الذي يصعب فيه السيطرة على الوضع.
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news