كثفت جماعة الحوثي، ذراع إيران المصنفة دوليا على لوائح الإرهاب، جهودها وتوجيه استثمارات هائلة لتطوير بنية عسكرية تحت الأرض وإنشاء مخابئ ومغارات مركزية ومتفرقة وملاذات محصنة في محافظة صعدة، معقل التنظيم وقادته ومركز عملياتها وحروبها الممتدة، شمالي اليمن وعلى الحدود مع السعودية، مع ارتفاع مخاوف الجماعة من ضربات مرتقبة على غرار ما لجماعات إيران في لبنان وسوريا.
تلك الاستثمارات الحوثية اتسعت خلال السنوات الأخيرة، وتضاعفت خلال العام 2024 مع انخراط الجماعة في عمليات استهداف السفن التجارية والحربية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي تحت لافتة نصرة غزة وفلسطين، الأمر الذي دفع أمريكا وبريطانيا إلى قيادة تحالف عسكري بحري بمشاركة أوروبية في البحر الأحمر، وتدشين هجمات منذ يناير 2024 تستهدف تحييد تهديدات الجماعة للملاحة الدولية، تلاها هجمات إسرائيلية ردا على تبني الجماعة عمليات صاروخية وطائرات مسيرة إلى إسرائيل.
بدأت جماعة الحوثي المتمردة من كهوف صعدة، ومبكرا بدأت التحصن في مغارات بالمرتفعات الجبلية البعيدة، ومن "جرف سلمان" بمنطقة مران مديرية حيدان، أدار حسين بدرالدين الحوثي، مؤسس الجماعة، عمليات تمرده ضد الدولة اليمنية، انتهت جولتها الأولى بمقتله داخل الجرف في العاشر من سبتمبر 2004.
وكان عبدالملك الحوثي في أحد خطاباته الأسبوعية حث جماعته على بناء آلاف الغرف المحصنة ضمن ما أسماه استراتيجية الدفاع عن النفس.
لم يتوقف جهد الجماعة خلال 20 عاما في التحصن بالجبال ذات الطبيعة والتضاريس الوعرة. وإلى جانب خبراتها المتراكمة خلال حروبها السابقة، تستلهم الحوثية من التجربة الإيرانية في تطوير تحصينات تحت الأرض ومجمعات تخزين وإنتاج الصواريخ والأسلحة وبناء قواعد وقواعد جوية وصاروخية مدفونة.
تفيد عملية تحليل وتحقق أجراها فريق "ديفانس لاين" للمعلومات وصور الأقمار الصناعية ومصادر الاستخبارات المفتوحة، قيام الجماعة بتطوير مرافق وقواعد مدفونة وبأعماق كبيرة وأسفل الجبال محصنة بطبقات ترابية والخرسانة الصلبة، على غرار قواعد "قشم والخجير" في أصفهان إيران، بهدف تجنب الهجمات الامريكية البريطانية والإسرائيلية، ومن قبلها هجمات مقاتلات "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية والإمارات في مارس 2015، وضمن استعداد الجماعة لحروب طويلة المدى مع نقل إيران تقنيات حربية استراتيجية إلى مناطق الحوثيين وافتتاح مراكز إقليمية للصناعة الحربية والتكنولوجيا التابعة للحرس الثوري وذراع عملياته الخارجية "فيلق القدس".
لم يتوقف جهد الجماعة خلال 20 عاما في التحصن بالجبال ذات الطبيعة والتضاريس الوعرة. وإلى جانب خبراتها المتراكمة خلال حروبها السابقة، تستلهم الحوثية من التجربة الإيرانية في تطوير تحصينات تحت الأرض ومجمعات تخزين وإنتاج الصواريخ والأسلحة وبناء قواعد وقواعد جوية وصاروخية مدفونة.
منذ سيطرتها على مقدرات الدولة اليمنية في سبتمبر 2014 قامت الجماعة بنقل كميات كبيرة من السلاح والذخائر الثقيلة والعتاد المتقدم من الصواريخ الباليستية وأسلحة الدفاع الجوي وأسلحة بحرية. عملية النقل والتخزين اتسعت مؤخرا، فيما عادت قيادة الجماعة للاختباء في كهوف صعدة التي يجدونها الأكثر أمانا ومنعة.
وقد كانت صعدة مسرحا لعدد غير قليل من الغارات الجوية الأمريكية البريطانية، وهجمات قاذفة "الشبح" الأمريكية التي استخدمتها أمريكا لأول مرة في 17 أكتوبر الماضي لضرب أهداف حوثية وتحصينات تحت الأرض. إذ استهدفت 9 ضربات منشئات في منطقة الصفراء.
تشير صور الأقمار الصناعية وجوجل إرث التي قام بتحليلها فريق "ديفانس لاين" إلى إنشاء الجماعة عدة مرافق، لتخبأة قيادة الجماعة، ومراكز القيادة والسيطرة وإدارة العمليات ومراكز التصنيع وورش تجميع الصواريخ والطائرات والألغام والمتفجرات، ومقار المراكز الرئيسية لمنظومات التقنية والاتصالات والمراقبة وأنظمة التكنولوجيا. ومخابئ لتخزين الوقود الصلب والمواد الخام والقطع الحساسة للتصنيع الحربي، وتخزين الوثائق والمعلومات، والأموال والمكنوزات المنهوبة. مع استمرار الجماعة في إعادة تأهيل البني الحربية السابقة وتحديث المنشئات والمخابئ القديمة.
قامت الجماعة بتوزيع المنشئات والمقار على مختلف مناطق محافظة صعدة الجبلية المرتفعة الحدودية مع السعودية وتقع فيها بعض أعلى وأعتى جبال اليمن، واستخدام كل القمم والمواقع الحاكمة.
وحولت كثير من المديريات والعزل إلى مناطق مغلقة عسكريا، يحظر الاقتراب منها، وحصر الوصول إليها عبر مسارات محددة محاطة بحراسة وقيود مشددة من السرية والمحدودية.
وقد تمكنت الجماعة من فرض منظومة أمنية في صعدة وجوارها خلال سنوات سيطرتها، وصهر المجتمع في بنيتها التنظيمية والعامة واعتياد الناس على أنشطتها وتحركات قادتها ويخشون وحشيتها المفرطة مع أي تسرب للمعلومات والصور.
مديرية الصفراء.. معسكر مفتوح
يتركز مجهود جماعة الحوثي على مديريات صعدة، عاصمة المحافظة وأكبر المدن، ومناطق العمق الجغرافي والأيدلوجي والقريبة من مناطق المحافظات المجاورة، عمران وحجة جنوبا، والجوف شرقا.
في مديرية الصفراء، ثاني أكبر مديريات المحافظة جغرافيا، وتمتد من حدود محافظة عمران جنوبا إلى الحدود السعودية شمالا، تقع مجمعات وقواعد عسكرية قديمة، ومنشئات جديدة طورتها الجماعة خلال السنوات الأخيرة، خصوصا منذ ما بعد إعلان الهدنة الأممية مطلع 2022.
تنتشر في نطاق الجغرافيا الجبلية الواسعة عدة قواعد ومواقع ومخابئ ومغارات تحت الأرض، وأنفاق وكهوف متعددة ومتباعدة، تربط بينها شبكة من الطرق المعبدة متعددة الوصول. وتقع في نطاقها عدة كسارات، قديمة وحديثة، التي تتحدث معلومات عن استخدام الجماعة بعضها لعمليات عسكرية.
إلى الشرق من مدينة صعدة تقع منطقة كهلان، وفيها مقر معسكر كهلان، وإلى الجنوب الشرقي تقع منطقة وادعة، وصولا إلى قمة العبلا في العبدين غراز، تبدو هذه المنطقة "المثالية" كمنطقة عسكرية مغلقة، ومجمع عمليات عسكرية للحوثيين، وفي نطاقها مقار حظائر للطائرات المسيرة، ومرابض منصات الاطلاق والرادارات ومراكز القيادة والتوجيه، الثابتة والمتنقلة، قادرة على الإطلاق من تحت الأرض.
مجمع وادعة..
في منطقة وادعة جنوبي المديرية تقع أكبر القواعد العسكرية الجديدة التي بدأ العمل فيها نهاية العام 2022.
تبين صور جوجل وصور الأقمار الصناعية التي حللها فريق "ديفانس لاين" أن الجماعة بدأت عملية الاستطلاع في موقع القاعدة وشق شبكة الطرق منذ عام 2020.
كما تبين نتائج تحليل الصور أن الأعمال الانشائية فيها بدأت خلال الأشهر الأولى للعام 2023، ببدء حفر النفق الرئيسي الأول للقاعدة. وتسارعت الأعمال الانشائية بوتيرة عالية خلال 2024، بحفر عدة أنفاق رئيسية جديدة.
كانت القاعدة هدفا لغارات قاذفة "الشبح" وتعرضت لغارتين على الأقل في وقت سابق من العام الماضي.
تقع فيها أربعة أنفاق رئيسية على الأقل، متصلة ببعضها، ولديها عدة مداخل، وتضم مخابئ فرعية متفرعة قريبة من القاعدة وفي المواقع المحيطة بها.
تم تسوير المواقع المطلة عليها وتشييد عدة نوبات حراسة ومراقبة، وأيضا تجهيز مواقع يمكن استخدامها لنشر منصات متنقلة لإطلاق الصواريخ والطائرات.
وتتصل القاعدة إلى جهة الجنوب الشرقي بمساحة جبلية متصلة تظهر فيها استحداثات وأعمال إنشائية وشبكة طرقات تم تعبيدها حديثا، تقع في المنطقة المحيطة عدة مغارات صغيرة متباعدة قابلة للاستخدام لتخزين الأسلحة ونشر منصات إطلاق تم الربط بينها عبر طرق فرعية تمتد إلى وادي دماج جنوبا.
وترتبط القاعدة بشبكة من الكهوف والمخابئ المتفرعة في المساحة القريبة من مركز القاعدة.
ويمكن الوصول إلى القاعدة عبر عدة مسارات رئيسية، وتم ربطها بطرق فرعية إلى معسكر كهلان شمالا، ومواقع عسكرية في جبل العبلا غربا القريبة من الأحياء الجنوبية لمدينة صعدة.
العبدين، غراز
إلى الجنوب الشرقي لمدينة صعدة يقع جبل العبلا، المطل على المدينة، وفي قمته قلعة العبلا، وفيها مقر معسكر قديم للجيش خلال حروب صعدة. هذه المنطقة تتبع عزلة العبدين غراز، مديرية صعدة.
أسفل جبل العبلا تقع منشأة عسكرية تحت الأرض، تظهر صور جوجل التي حللها "ديفانس لاين" أن العمل فيها بدأت مطلع العام 2019. كما توضح الصور وجود نفق رئيسي له مدخلين، وقد يكون المدخل الجانبي مخبأ آخر.
هذه المنشأة كانت هدفا لغارات أمريكية بريطانية خلال 2024، واستهدفتها بعض قذائف طائرة "الشبح".
في قمة الجبل يقع برج اتصالات، تحدث الحوثيون في وقت سابق عن تعرض الشبكة لضربات جوية، ما يشير إلى نشر الجماعة أنظمة اتصالات ومراقبة في القاعدة.
وترتبط منطقة العبلا بأحياء منطقة رحبان، جنوبي المدينة، وهي حاضنة للحوثيين والأسر الهاشمية، وتقع فيها مساكن بيت مجلي، التي منها عضو مجلس القيادة الرئاسي الشيخ عثمان مجلي.
وقد تحدثت الجماعة في وقت سابق عن غارات أمريكية استهدفت مواقع لها في رحبان، لكنها لم تقدم تفصيلات عن موقع الغارات. يرجح أنها استهدفت مواقع في منطقة السنارة وجرف القصوية، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية استحداثات وأعمال انشاءات في المنطقة الخالية من السكان، وقد تكون الجماعة استخدمتها لعمليات إطلاق متحركة.
وفي غارات يوم 11 نوفمبر ادعت الجماعة أن غارتين وقعتا في "منطقة الرحبة بمديرية الصفراء". واتضح أن الجماعة قدمت معلومات كاذبة أو غير صحيحة، فطبقا لإفادة سكان ونتائج بحث في المصادر المفتوحة لا توجد منطقة بهذا الاسم في الصفراء. ما يعني أن الحوثيون يتعمدون التضليل حول أماكن وطبيعة الأهداف المستهدفة. تلك الرواية المضللة تداولتها مختلف وسائل الإعلام اليمنية والعربية والأجنبية. وقد تكون الغارات استهدفت منطقة رحبان أو مواقع قريبة.
وإلى الجنوب الغربي لرحبان توجد منشأة أسفل جبل جنوب منطقة قويرة يرجح أنها عسكرية، تظهر صور جوجل أن العمل فيها بدأ مطلع العام 2022، وقد تكون تعرضت لغارات.
جبل الصمع
إلى جنوب مدينة صعدة يقع جبل الصمع، وهو أحد أعلى جبال صعدة، والجبل الـ25 من بين قائمة أعلى جبال اليمن، بارتفاع 2.400 متر عن سطح البحر. توجد في قمته قلعة حصن الصمع الأثرية. يقع في المنطقة المقر القديم للواء 103 سابقا.
وتحدثت جماعة الحوثي عن تعرض مواقع تابعة لها في الجبل لغارات أمريكية. وكان الجبل هدفا لأول غارات جوية دشنتها أمريكا في 12 يناير 2024.
تظهر صور جوجل وجود آثار قصف في قمة الجبل الذي يرجح استخدامه من الحوثيين لعمليات إطلاق صاروخية وطائرات مسيرة.
وفي جبل الصحن بمديرية سحار تظهر صور الأقمار الصناعية وجود أعمال انشائية واستحداثات في المنطقة التي توجد فيها بعض الجروف والمغارات.
كما تظهر الصور وجود استحداثات عسكرية في المواقع العسكرية المطلة غربيا على نقطة عين، البوابة الجنوبية لصعدة.
معسكر كهلان..
إلى الشرق من مدينة صعدة يقع معسكر كهلان الذي كان سابقا مقرا للواء الأول مدفعية.
يقع المعسكر شمال قاعدة وادعة الممتد على مساحة جغرافية واسعة قريبة من مناطق البقع وكتاف، ويرتبط بعدة مرتفعات حاكمة والطريق الرئيسي الرابط بين مدينة صعدة والبقع.
تظهر صور جوجل وجود استحداثات حوثية داخل المعسكر والمواقع والمرتفعات الحاكمة القريبة من المعسكر الممتدة شمالا في منطقة كهلان الجبلية، واستخدام الجماعة للمعسكر لتدريبات وتمرينات عسكرية.
تعرض المعسكر لعدة غارات خلال العام 2024، وتظهر صور جوجل بعض آثار لقصف في موقع داخل المعسكر.
الكسارات.. مناطق للتعسكر
شمالا، تقع مناطق الحمزات وآل شافعة، ثم نشور والرزامات.
في تلك المناطق شمالي المدينة، تعرضت مواقع للحوثيين لهجمات أمريكية بريطانية خلال العام الماضي وفقا لما أعلنت الجماعة.
وفي نطاقها تقع عدد كبير من الكسارات، وهي مناطق عسكرية مغلقة للحوثيين ومحظورة على السكان من سنوات، وتستخدمها الجماعة لتخزين السلاح وعمليات عسكرية، وفقا لما يقول سكان من المنطقة.
وخلال حروب صعدة كانت الكسارات ملجأ لقادة وعناصر الجماعة. وتظهر صور جوجل توسع الأعمال الانشائية في مناطق الكسارات بصورة كبيرة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ووجود عدد كبير من الأنفاق والمغارات القديمة والحديثة في تلك الجبال الحصينة.
في نطاق جغرافيا آل شافعة والحمزات والرزامات تقع منشئات وقواعد عسكرية قديمة ومقار سابقة للجيش اليمني، وتقع فيها مناطق عسكرية حوثية منذ حروب صعدة، ومنطقتي مطرة والنقعه، وهي إحدى أهم المعاقل العسكرية الحوثية منذ سنوات.
وتظهر الصور وجود منشئات حديثة في عدة مواقع بمنطقة الحمزات، واستحداثات وشق طرق.
نشور..
في نشور، تظهر صور جوجل التي قام بتحليلها فريق "ديفانس لاين" وجود قاعدة عسكرية على الأقل تم بناؤها حديثا.
وتبين الصور أن أعمال انشاء هذه المرافق قد بدأت مطلع العام 2023م.
كما توضح الصور وجود خمسة مداخل لمخابئ رئيسية على الأقل، موزعة في أربع اتجاهات بين السوائل والمنخفضات، مرتبطة بشبكة طرق معبدة.
وأعلنت الجماعة استهداف مواقع لها لغارات أمريكية خلال 2024.
الرزامات..
وفي الرزامات، تظهر صور الأقمار الصناعية وجود منشئات عسكرية حوثية في مناطق مختلفة من المنطقة، بعضها قديمة وأخرى حديثة.
كما تظهر الصور وجود أعمال انشائية واستحداثات في موقعين على الأقل، في المرتفعات الغربية لوادي منظر.
أحد الموقعين تم تحديده على خرائط جوجل بأنه منجم للذهب، وبعد تحليل التغييرات التي وثقتها الأقمار الصناعية تبين أن الأعمال الانشائية والحفريات بدأت مطلع العام 2023، الأمر الذي يثير الشكوك في حقيقة المنشأة وما إذا كانت مناجم فعليا خصوصا بتزامنها مع استغلال الحوثية للهدنة الأممية منذ مطلع 2022.
أما تسمية الموقع الآخر (الشمالي) فقد ظهرت على الخرائط منذ ما بعد 2023م.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news