محمد المياحي كاتب يمني شاب، ظل يطفئ الحرائق من حوله كلما اندلعت بفعل انسياقه وراء تداعي الكلمات وسحر توالد الأفكار بين السطور، ناسياً أنه يعيش في بيئة “لسانك حصانك”، و في ظل ثقافة متوارثة تؤدي دورها مثل سقف صلب يمنعك من التنفس، ويحرسك من استنشاق معنى أن تعيش بكامل شغفك ووجودك، ثقافة تكرس الخوف وتحث على التروي والتدقيق في كل كلمة.
“لسانك حصانك” هذه حكمة كاريكاتورية تجعلني أتخيلها بصريا وأضحك: شخص يمشي على لسانه يمده بصمت ليعبر وسط الزحام من دون أية كلمة يقولها مهما حدث له!.
حاول المياحي أن يشبه الكتب التي يقرأها، وأن يقفز على الحواجز، ويؤسس مع آخرين لحق الرقص مع الكلمات على الأقل، متناسياً الواقع المؤلم.. حاول أن يتفنن في صوغ الجمل وتوليد الأفكار والاستسلام للكلمات بحرية من دون إجراء تلك الحسابات اللعينة: من سيغضب؟ ومن سيفرح؟ ومن سيعاتب؟ ومن سيعاقب؟ ومن سيمارس الوشاية ومن سيصور “البوست” ومن سيرفع التقرير إلى أوغاد المرحلة وكلابها الجدد؟.
في خانة الرسائل من محمد رسائل مسجلة بصوته، اكتشفت أنه كان يحاول إطفاء الحرائق في كل الجبهات، يمدحك يبعث في روحك الأمل يعترف ويقترب من تجربتك ويحاول أن يفهمك وأن يلتمس العذر لسوط النقد اللاذع، لذلك ترك في خانة الرسائل لدى الجميع أحاديثه الطويلة وتداعياته التي تشبه مصافحة من يبادر بالتعارف مع العالم من حوله بنوايا طيبة وصادقة. هكذا ترك بصمة صوته ولهجته وأسلوبه في القفز على بعض الحروف، كما لو أنه يسابق نفسه داخل الجملة التي يقولها يريد أن يصل بك إلى المعنى: كن صديقي أيها العالم القاسي.
سنة جديدة تهل وهذا الكاتب الشاب سجين لمجرد زفرة مكتوبة تمثل هاجس كل كاتب في أن يغرد وأن يعلي صوته داخل السطور؛ للتعويض عن العجز الذي وُضِعنا فيه بفعل فاعل، العجز الذي منعنا من العيش بحرية في بلداننا؛ البلدان التي تكبل نفسها بقيود متنوعة؛ القيود لا يعتبر مصمموها من مجريات الأحداث حولهم، ويظنوا أنهم حكام الأبد المستحيل.
الحرية للمياحي ولكل سجين رأي! الحرية لكل من يحلم بالكتابة دون خوف!
وآه يا بلد!.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news