تستقبل تونس العام الجديد بديون ثقيلة، إذ ستسدد في 2025 نحو 9.7 مليار دينار (3.14 مليار دولار) من الديون الداخلية، و8.4 مليار دينار (2.72 مليار دولار) من الديون الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك تبلغ أقساط فوائد الدين العمومي للسنة المقبلة ما يفوق 2.1 مليار دولار تتعلق بديون خارجية، ونحو 3.2 مليار دولار تتصل بالدين الداخلي، وذلك وفق بيانات ميزانية الدولة لعام 2025.
كما ستصل خدمة الدين العمومي إجمالا إلى ما يزيد عن 8 مليارات دولار في 2025 مقابل نحو 8.3 مليار دولار في عام 2024.
في المقابل، وفي ظل صعوبة الولوج إلى الأسواق المالية الدولية، تشدد الحكومة التونسية على ضرورة الاستمرار في الاعتماد على سياسة "التعويل على الذات" لمجابهة الصعوبات المالية التي تعيشها تونس.
سياسة جددت النقاش بشأن ما إذا كان هذا البلد المغاربي قادر على تسديد ديونه العام المقبل، والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن سياسة التعويل على الذات القائمة على الاقتراض الداخلي.
"شعار فضفاض"
تعليقا على هذا الموضوع، يرى الخبير الاقتصادي هشام العجبوني أن سياسة التعويل على الذات التي تنتهجها الحكومة "مجرد شعار فضفاض وكذبة كبرى"، على اعتبار أن تونس لم تتأخر عن سداد ديونها منذ مرحلة ما بعد الاستقلال إلى اليوم.
ويقول العجبوني لـ"الحرة": إن نسبة التداين من إجمالي حجم ميزانية الدولة ما بين 2023 و 2024 بلغ 36% وهي نسبة غير مسبوقة، مما يعني أن سياسة التعويل على الذات مجرد مغالطة تسوقها الحكومة للشعب فضلا عن الاستمرار في منهج الاقتراض الخارجي لدعم الميزانية.
وقبل 3 أيام، صادق البرلمان التونسي على قرض مبرم بين البنك المركزي التونسي والبنك الأفريقي للتوريد والتصدير بقيمة 500 مليون دولار، لتمويل ميزانية الدولة، سيسدد على 7 سنوات بينها مهلة لسنتين.
ويعتبر العجبوني أن وتيرة المديونية الداخلية والخارجية لتونس تواصلت بنسق مرتفع، مما انعكس سلبا على نسبة النمو الاقتصادي التي يتوقع أن لا تتجاوز 1.2% هذا العام، إلى جانب تراجع الاستثمار إلى 15.7% سنة 2023، وسط توقعات لصندوق النقد الدولي أن تتراجع هذه النسبة في غضون 2029 إلى ما دون 10%.
ويصف هذه المؤشرات بـ"المرعبة"، إذ ستزيد حجم البطالة وتراجع التشغيل، لافتا إلى أن المعدل العالمي لنسبة الاستثمار حدّد بنسبة 26%.
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يكون عام 2025 صعبا للغاية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في تونس رغم مواصلة الإيفاء بتعهداتها الداخلية والخارجية، من حيث تسديد الديون.
وسبق لوزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، أن أكدت بالبرلمان أنه بحلول تاريخ 31 ديسمبر من هذا العام سيتم إنهاء كل الديون المنصوص عليها في قانون المالية لسنة 2024 والإيفاء بتعهدات تونس بنسبة 100%، مقرة بأن مبدأ التعويل على الذات اقتضته صعوبة الولوج إلى الأسواق المالية العالمية.
من جانبه، يستبعد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي احتمال تعثر تونس في تسديد ديونها للعام المقبل، مؤكدا استمرار ارتفاع الديون الداخلية والخارجية في ظل السياسة التي تنتهجها الحكومة.
آليات تتعارض مع الأهداف
ويوضح الشكندالي في حديثه لـ "الحرة" أن الآليات التي تعتمدها الحكومة في علاقة بمبدأ التعويل على الذات تتعارض مع الأهداف المرجوة بتحقيق نسبة نمو اقتصادي محترمة.
ويشير إلى أن الحكومات السابقة كانت تسدد الديون وتحافظ على توفير المواد الأولية ونصف المصنعة الضرورية لعملية الإنتاج وكذلك المواد الغذائية، في حين أصبح في السنوات الأخيرة تسديد الديون على حساب إيقاف توفير هذه المواد.
ويتابع في السياق ذاته أن تونس تعاني ركودا اقتصاديا تعكسه نسب النمو التي تم تحقيقها موضحا أن نسبة النمو الاقتصادي المحققة في 2023 كانت في حدود 0% في حين كانت تقديرات الحكومة لها بـ 1.8% وفي 2024 كانت تقديرات النمو بـ 2.1% فلم تتجاوز النسبة 1.6%.
ويتوقع أستاذ الاقتصاد أن لا تحقق تونس نموا اقتصاديا في حدود 3.2% مثلما تم إدراجه بقانون ميزانية الدولة للعام 2025، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى تراجع الموارد الجبائية لتونس وتواصل انخفاض مستوى الاستثمار الخاص.
ويشدد في السياق ذاته على أن سداد الديون الداخلية والخارجية لتونس كان على حساب توريد المواد الغذائية والدوائية، على اعتبار أن اقتصاد البلاد مرتبط بالخارج على مستوى الإنتاج.
ووفق بلاغ صادر عن البرلمان التونسي، الجمعة المنقضي، فقد أكدت وزيرة المالية في تعقيبها على أسئلة النواب بأن "مبدأ التعويل على الذات هو وخيار يتم العمل على تكريسه من خلال التحكم في عجز الميزانية والاعتماد على الموارد الذاتية، مع معاضذتها بالفرص المتاحة عبر التداين الداخلي نظرا لضعف السوق المحلية".
كما أوضحت الوزيرة أنه يجري العمل على تقليص التداين الخارجي، وتحسين المداخيل الجبائية وترشيد النفقات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news