تقرير – يمن ديلي نيوز:
منذ اجتياح جماعة الحوثي المصنفة إرهابية للعاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014، تعرض الاقتصاد اليمني للكثير من الضربات القاصمة، أبرزها الانقسام النقدي وقصف موانئ تصدير النفط وتراجع حجم المساعدات الإنسانية لليمن.
تلك الضربات الاقتصادية، فضلاً عن الآثار الناجمة عن الحروب التي فرضتها جماعة الحوثي مع المجتمع اليمني والإقليمي والدولي، ساهمت في تردي الوضع الاقتصادي تباعًا، وكان العام 2024 الأكثر حدة وقسوة.
ففي حين اتسعت مساحة الجوع في المناطق الخاضعة للحوثيين، شهدت أسعار الصرف في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا تراجعًا مستمرًا أثر على القدرة الشرائية للمواطن، الأمر الذي عزز من الأزمة الإنسانية في البلاد.
في هذا التقرير، نستعرض تحليلات وآراء خبراء اقتصاديين يمنيين حول الوضع الراهن للاقتصاد، وأبرز التحديات التي واجهها في 2024، بالإضافة إلى التوقعات والإجراءات الضرورية للعام 2025.
مضاعفات خطيرة
يقول الخبير والمحلل الاقتصادي “وفيق صالح” إن مشكلات الاقتصاد اليمني في 2024 هي ذاتها في العام 2023 والأعوام السابقة، وإنما الذي حدث أن العام الأخير شهد مضاعفات خطيرة للمعضلات والأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الكلي للبلاد.
وذكر في حديث مع “يمن ديلي نيوز” أن هذه المضاعفات انعكست على أوضاع الناس وقدرتهم المعيشية، وعلى تدهور قيمة العملة الوطنية وتآكل الأجور والرواتب، وتدني القدرة الشرائية للسكان.
وأضاف: تعطل الموارد الخارجية وانخفاض حجم الموارد المالية للحكومة وعجزها عن دفع رواتب الموظفين والإنفاق على الخدمات، كلها نتيجة للمشكلات التي عصفت بالاقتصاد الوطني خلال الأعوام الماضية.
وأردف: مما فاقم من حجم الأزمة أن الحكومة عجزت عن إيجاد بدائل وتوفير آليات مناسبة لتعويض العجز والنقص الذي شهدته المالية العامة للدولة بسبب توقف الصادرات النفطية وتراجع الإيرادات الضريبية والجمركية.
وحول توقعاته لـ2025، أشار إلى أن الدعم السعودي الأخير قد يحقق نوعًا من الاستقرار النسبي للاقتصاد في المحافظات التابعة للحكومة، ولابد من تحركات لإعادة تحقيق التعافي الاقتصادي عبر تشغيل الموارد وتنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية شاملة.
وقال إن الدعم السعودي المقدم إلى اليمن والذي بلغ نصف مليار دولار يمكن أن يشكل في الوقت الراهن قاعدة صلبة، يساهم في مساعدة الحكومة على تأدية مهامها والإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه دفع رواتب الموظفين، وتأمين استيراد السلع الغذائية والضرورية.
وشدد “وفيق صالح” على ضرورة التزام الحكومة بتنفيذ برنامج إصلاح شامل، يتضمن تنمية الموارد العامة واستدامتها وترشيد النفقات، والالتزام بمبادئ الشفافية والنزاهة، وتوحيد الأوعية الإيرادية، ووقف كافة الصرفيات والنفقات العبثية التي رافقت أداء المؤسسات.
تحديات عديدة
من ناحيته، المحلل الاقتصادي “فارس النجار” قال إن العام 2024 شهد عددًا من التحديات من أبرزها استمرار توقف صادرات النفط وما تلاه من استمرار في عجز موازنة الدولة نتيجة توقف أهم مورد اقتصادي للبلد، أو أهم رافد لموازنة الدولة والذي يرفد الدولة بمليار وستمائة مليون دولار تقريبًا.
وأضاف في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”: الجانب الآخر هو استمرار انخفاض الإيرادات الضريبية والجمركية نتيجة الإجراءات التعسفية التي تنتهجها جماعة الحوثي على البضائع القادمة من موانئ الحكومة الشرعية، حيث انخفضت الإيرادات الضريبية والجمركية 29% مقارنة بالعام 2022، وأيضًا 17% مقارنة بالعام 2023.
وذكر بأن هناك جانب آخر ويتمثل في استمرار تداعيات أحداث البحر الأحمر نتيجة ممارسات الحوثيين الإرهابية على السفن التجارية، الأمر الذي أدى إلى مشاكل عديدة مرتبطة بتأخر المساعدات الإنسانية، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، حيث ارتفعت أكثر من 100%، و170% فيما يتعلق بميناء الحديدة، مما انعكس على أسعار السلع والخدمات.
وقال إن كل هذه الأسباب مجتمعة أدت بشكل كبير إلى انخفاض الإيرادات من العملة الصعبة لدى البلد، ومن المعروف أن من أهم محددات سعر صرف العملة الوطنية هو ما نمتلكه من الدولار، ففي اليمن ما نحتاجه وفقًا لتقرير البنك المركزي للعام 2022 لتأمين فاتورة السلع الأساسية والضرورية 11 مليار و200 مليون دولار، بينما نحن ما نتحصل عليه اليوم وفقًا للعام 2022 كان العجز 2.2 مليار.
ولكن اليوم مع توقف صادرات النفط وانخفاض الصادرات غير النفطية، بما فيها الصادرات السمكية نتيجة ممارسات الحوثيين، فإن العجز في تغطية فاتورة الاستيراد وصل إلى أكثر من 4.4 مليار دولار ويزيد.
وأشار إلى أن هذا العجز في تغطية فاتورة الاستيراد يزيد من حدة المضاربات في السوق، ويزيد من الضغط على العملة الوطنية، وهذا يعني استمرار حدة التضخم، وهذا ما نتج عنه كسر الدولار حاجز الألفين ريال.
تفاقم الحرب الاقتصادية
من جانبه، الصحفي والمحلل الاقتصادي “نجيب العدوفي” قال إنه خلال العام 2024 تفاقمت الحرب الاقتصادية التي تمارسها جماعة الحوثي باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها لتقويض الحكومة الشرعية وزيادة الضغوط عليها، سواء من خلال السيطرة على الموارد أو ممارسة السياسات المالية التي تؤثر على المواطنين والقطاع الخاص.
وأضاف متحدثًا لـ”يمن ديلي نيوز”: تهديدات الحوثيين المستمرة بمنع تصدير النفط والغاز، وفرض الجبايات والضرائب على القطاع الخاص دون تقديم أي خدمات، جعلت الوضع الاقتصادي أكثر تعقيدًا، حيث لم تُستخدم الإيرادات لتحسين حياة المواطنين، بل لدعم أجندتها العسكرية والسياسية.
وأشار إلى أن الفساد والانقسام داخل الحكومة الشرعية خلال 2024 أضعف من قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة مع تنازع السلطات داخلها.
ومن الأحداث الاقتصادية المهمة يستذكر الاقتصادي “العدوفي” قرارات البنك المركزي في نقل عمليات البنوك التجارية إلى عدن، كانت محاولة لاستعادة السيطرة على القطاع المصرفي ومنع الحوثيين من الاستفادة منه، ولكن الضغوط الدولية والمحلية أجبرت الحكومة على التراجع، مما أدى إلى إضعاف البنك المركزي وزيادة انهيار العملة.
واعتبر انهيار الريال اليمني إلى مستويات قياسية هو نتيجة مباشرة لهذه الصراعات والسياسات غير المدروسة، بالإضافة إلى استغلال المضاربين للفوضى الاقتصادية.
وأشار إلى أن غياب الرقابة والسيطرة الفعالة من قبل البنك المركزي جراء منعه من القيام بدوره خلال 2024 فتح المجال أمام استمرار التدهور، مما انعكس سلبًا على معيشة المواطنين وزاد من معاناتهم.
وشدد على أنه ما لم يكن هناك إرادة حقيقية لإصلاح الفساد داخل الحكومة الشرعية، وتوحيد صفوفها، واستعادة السيطرة الكاملة على الموارد والمؤسسات المالية، فإن هذه الأزمات ستستمر وربما تتفاقم.
وعن توقعته للعام 2025 قال إن الدعم السعودي الذي أعلن مؤخرًا خفف كثيرًا من حدة التوقعات لعام أكثر صعوبة على اليمن اقتصاديًا في ظل استمرار التحديات الراهنة وتصاعدها.
وقال إن الأزمات الاقتصادية والسياسية المتداخلة التي يواجهها اليمن تحتاج إلى حلول جذرية وسريعة، ولكن غياب الإرادة السياسية وضعف الدعم الدولي يزيدان من خطورة الوضع، إلى جانب استمرار الحكومة بالعمل دون موازنة عامة.
معالجات مطلوبة
ونوه إلى العديد من المعالجات المطلوبة لحل الأزمة الاقتصادية وهي أولًا دعم دولي حقيقي. يجب أن يركز التدخل الدولي على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، عبر تقديم مساعدات مالية مباشرة، وضمان تدفق العملات الصعبة إلى الخزينة العامة، ودعم مشاريع تنموية مستدامة.
الأمر الثاني – وفقًا للعدوفي – إعادة تصدير النفط والغاز الذي يعد شريان حياة للاقتصاد اليمني. لا بد من آلية دولية لحماية المنشآت النفطية والسفن التجارية من تهديدات الحوثيين.
وثالثًا، تمكين الحكومة الشرعية، إذ يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على تقوية الحكومة الشرعية لتتمكن من فرض سيطرتها على الموارد الاقتصادية ووقف العبث بها.
ودعا “العدوفي” إلى وضع الاقتصاد تحت إشراف دولي أو إنشاء آلية مستقلة لتحييده عن الصراع العسكري، قد يكون خطوة فعالة لتخفيف معاناة الشعب.
وشدد على أنه وبدون هذه التدخلات الجادة، فإن الفقر والجوع مرشحان للاتساع بشكل أكبر في العام 2025، مما يهدد حياة ملايين اليمنيين ويدفع البلاد نحو كارثة إنسانية أكبر.
مرتبط
الوسوم
الأوضاع الاقتصادية في اليمن
تفاقم المجاعة
تدهور اقتصادي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news