اقصاء المرأة من مراكز صنع القرار - بران برس
برّان برس - وحدة التقارير:
منذ اندلاع الحرب في اليمن، عقب اجتياح جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، للعاصمة صنعاء أواخر العام 2014، حضرت المرأة اليمنية في كل تفاصيل الحرب وغابت عن المناصب ومواقع صنع القرار.
فإضافة إلى مشاركتها الرجل المعاناة والنزوح والتشرّد، برزت المرأة اليمنية كضحيّة مباشرة للحرب، فهي إما قتيلة أو مصابة أو مختطفة أو هدف غير مباشر كأم أو زوجة أو ابنة أو قريبة قتيل أو جريح أو مختطف.
بل وتفوّقت على الرجل في مواجهة تداعيات الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية من خلالها عملها في جمع الحطب وجلب المياه على رأسها، وكذا إسعاف الجرحى ونقل الموتى وعلاج المرضى وزراعة المحاصيل.
كما قادت المبادرات الإنسانية ونظّمت حملات جمع التبرعات، وباعت حليّها ومقتنياتها لشراء المواد الغذائية، مع انقطاع المرتبات وانعدام العمل ومصادر الرزق، وهي مهام لا يستطيع الرجال عملها.
ورغم كل هذا، فقدت المرأة كل الحقوق والمكاسب التي كانت قد حققتها على مدى العقود الماضية منذ قيام الجمهورية، وتراجع حضورها في الوظائف الحكومية العليا ومواقع صنع القرار في المؤسسات الحكومية والحزبية.
ويرجع البعض غياب المرأة عن ميدان صنع القرار إلى العادات والتقاليد التي تهمش المرأة، معتبرة أن المجتمع لأسباب ثقافية ودينية يميل إلى تفضيل الرجل في العمل السياسي على المرأة.
قضية شائكة
الأكاديمية اليمنية الدكتورة "سعاد السبع"، قالت إن “المجتمع، ونتيجة للجهل المطبق على عقول الذكور والإناث، ينظرون إلى المرأة نظرة دونية، ولا يثقون بقدرتها على المشاركة السياسية، ولا حتى المشاركة المجتمعية التي لها علاقة بالقضايا المصيرية”.
وأضافت "السبع" في حديث لـ“بران برس”، أنه “حتى في الطب يفضلون الرجل على المرأة عند إجراء العمليات مهما كانت قدراتها، لأنهم يعتقدون أنها ضعيفة”.
واعتبرت هذا الأمر “هذه قضية شائكة تحتاج لوعي بقيمة الإنسان وضمير يحكم الممارسات السياسية بالموضوعية المطلقة، وليس بالمصالح الذاتية“.
قيود مشددة
منذ سيطرتها على مؤسسات الدولة وأجزاء من البلاد بقوة السلاح، فرضت جماعة الحوثي قيودًا مشددة على المرأة، تجاوزت منعها من العمل والتعليم إلى حرمانها من خدمات الصحة الإنجابية ومنعها من السفر والتنقّل، وصولًا إلى التدخل بنوعية ملابسها وشكلها ودرجة صوتها.
أستاذ القانون الدولي، عبدالسلام الشعيبي، قال لـ“برّان برس”، إن جماعة الحوثي ضيقت على المرأة، ومنعتها من الوصول إلى مواقع صنع القرار والمشاركة المجتمعية والسياسية والاقتصادية من خلال فرضها قيوداً عدّة.
ومن هذه القيود، وفق الشعيبي، “التفسير المتطرف للدين لتبرير تهميش المرأة وإقصائها من الحياة العامة، ومن خلاله يتم تقييد دورها في المجتمع وتحديدها بأدوار تقليدية ضيقة”.
ويضاف إلى تلك القيود “السياسات التمييزية السلالية”، بحسب ما قاله "الشعيبي" الذي أكد أن جماعة الحوثي تتبع “سياسات واضحة تهدف إلى تهميش المرأة اليمنية، وإبعادها عن مراكز صنع القرار، ما لم تنتمي إلى السلالة الطائفية”.
لم تقتصر القيود على ما سبق، بل عمدت الجماعة إلى فرض “قيود على التعليم”، تمنع من خلالها الفتيات “من الحصول على تعليم عالٍ في مجالات معينة، مما يحد من فرصهن في التطور المهني، بينما فتيات من أسر سلالية يدرسن خارج الوطن”.
ومن القيود أيضًا، “تقييد الحريات الشخصية للمرأة، والحد من قدرتها على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية خارج صنعاء بحجة المحرم”، وفق الأكاديمي الشعيبي.
ليس وقت
المحامية والناشطة الحقوقية، عفراء حريري، ترى أن كل الأطراف تمارس “نفس الفعل التمييزي ضد المرأة”، مشيرة إلى أنها لا تستطيع فصل هذه القضية من منطقة إلى منطقة.
وبرأيها، فإن هذا “ليس قرار وليس نص قانوني أو دستوري، وإنما تصرف من السلطة السياسية العليا في كل المناطق اليمنية”.
وعن الأسباب من وجهة نظر السلطات، قالت "حريري" لـ"بران برس": "كلٌ يفندها بحسب ما يراه في التفاصيل إلا أن القول الفصل والذي تقول به جميع الأطراف هو (إنه ليس وقت النساء)”.
وأضافت أن البعض يعزوها إلى “أسباب عقائدية أو اجتماعية أو ثقافية أو ربما سياسية”. وبغض النظر عن الأسباب، تؤكّد أن “جميعهم اتفقوا على إقصاء النساء من مواقع صنع القرار”.
معوقات ثقافية
من جانبها، تفسّر المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، في حديث لـ"بران برس"، تراجع حضور المرأة في الوظائف العليا ومواقع صنع القرار من عدّة زوايا.
وأولها “الظروف السياسية والأمنية وطبيعة النزاع المستمر في اليمن، والذي قالت إنه “أدى إلى هيمنة أجندات أمنية وعسكرية على حساب الأولويات الأخرى، مما قلل الاهتمام بتمكين النساء أو إدراجهن في المناصب الحكومية”.
وبرأيها فإن “التركيز على تعيين شخصيات ذات نفوذ سياسي أو قبلي قد يكون أحد الأسباب لإقصاء النساء”.
ورغم تقدم وعي المجتمع اليمني، قالت الصراري، إنه “ما زالت هناك معوقات ثقافية تحدّ من قبول النساء في المناصب القيادية، خاصة في السياقات السياسية”.
وأضافت لـ“بران برس”، أن “ضعف الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة قد لا تعطي أولوية حقيقية لتمثيل النساء، رغم التزام اليمن بالمعاهدات الدولية التي تدعم حقوق المرأة”. إضافة إلى “غياب الضغوط الدولية أو المحلية الكافية لدفع السلطات لتضمين النساء في تشكيل الحكومات”.
ومن أسباب التراجع، وفق المحامية الصراري، هو أن “التركيبة السياسية الحالية تقوم على محاصصة بين الأحزاب والقوى المتصارعة، وقد لا تُعطي النساء نصيبًا كافيًا إذا لم يكن لهن تمثيل قوي في تلك القوى”.
كما أن “الأزمات الاقتصادية الحادة تجعل الأولويات موجهة نحو قضايا البقاء، مثل توفير الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى إهمال قضايا التمكين السياسي للمرأة.
وتحدثت عن “غياب تمثيل نسائي قوي في المفاوضات”، وقالت إن “النساء في اليمن لم ينجحن بعد في بناء كتلة ضغط سياسية قادرة على فرض وجودهن في التشكيلات الحكومية، رغم الجهود الفردية والمنظمات النسوية”.
حق قانوني
قانونيًا، قال المحامي اليمني، هادي وردان، لـ“بران برس”، إن “الدستور اليمني كان واضحًا في هذا الحق، وأفرد له باب خاص هو الباب الثاني تحت عنوان "الحقوق والواجبات".
وأوضح أن هذا الباب تضمن مجموعة من النصوص القانونية عن حقوق المواطنين قبل كل شيء بأنهم متساوون. مضيفًا أن نص المادة ٤١ من دستور الجمهورية اليمنية ينفي كل ما خلفه من تميز نوعي أو جندري أو طبقي أو سلالي أو فئوي.
وقال إن هذا النص واضح ولم يستثن أحد، فكل مواطن يمني يعيش في الجمهورية اليمنية محمي بموجب هذا القانون، وله الحق بأن يمارس الحياة السياسية كما جاء في المادة الثانية، وله حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وله حق الترشح أو الانتخاب، وله الحق الانضمام للنقابات أو الاتحادات.
وأضاف أن هذه مواد أساسية في دستور الوحدة اليمنية التي منحت الحق للجميع في السياسية والوصول إلى صنع القرار.
وأكّد المحامي وردان، أن كل من لحقه الضرر أو منع من ممارسة حقه السياسي والوصول إلى مناصب صنع القرار لسبب حزبي أو سلالي أو نوعي جندري أو فئوي له حق اللجوء إلى القضاء والحصول على الحق وفقاً للدستور والقانون.
ولهذا، قال إن “للمرأة كل الحق في الوصول إلى مناصب صنع القرار طبقاً للدستور والقانون اليمني.
المرأة والحكومات
يرصد “بران برس” في هذه المادة حضور المرأة في الحكومات اليمنية طيلة العقدين الماضيين
- عام ٢٠٠١،
شُكّلت حكومة عبدالقادر باجمال، وكان نصيب المرأة اليمنية حقيبة وزارية (حقوق الإنسان).
- مطلع ٢٠٠٦،
جرى تعديل حكومي على نفس الحكومة، وحصلت المرأة على حقيبتين وزاريتين (حقوق الإنسان، والشئون الاجتماعية والعمل).
- عام ٢٠٠٧،
شكّلت حكومة علي محمد مجور، وحصدت المرأة ثلاث حقائب وزارية (حقوق الإنسان- الشؤون الاجتماعية والعمل، شئون مجلس الوزراء).
- عام 2012،
شكّلت حكومة الوفاق عقب ثورة الشباب برئاسة محمد سالم باسندوة، وتراجع نصيب النساء إلى حقيبتين (حقوق الانسان، شؤون مجلس الوزراء).
- أواخر العام ٢٠١٤،
شكّلت حكومة خالد بحاح، وشغلت المرأة ثلاث وزارات (الشؤون الاجتماعية- الإعلام- الثقافة)، إلا أن هذه الحكومة وئدت قبل أن ترى النور مع انقلاب جماعة الحوثي واجتياحها للعاصمة صنعاء.
- مطلع العام 2015،
شهدت البلاد حكومتين الأولى في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والثانية في مدينة عدن التي أعلنت عاصمة مؤقتة للبلاد، لتفقد المرأة كل مواقعها في المناصب العليا.
- أبريل ٢٠١٥،
شُكلت حكومة خالد بحاح، من جديد خارج البلاد، وخلت تماماً من أي حضور نسوي.
- عام ٢٠١٦
شكّلت حكومة أحمد عبيد بن دغر، وكان للمرأة حقيبتين (الشؤون الاجتماعية والشؤون القانونية).
- عام ٢٠١٨
شكّلت حكومة معين عبدالملك، واحتفظت المرأة بالحقيبتين (الشؤون الاجتماعية، والشؤون القانونية)، قبل أن تفقدهما في التعديل الحكومي عام ٢٠٢٠، وتكون جميع الوزارات من الذكور.
- فبراير ٢٠٢٤،
عيّن أحمد عوض بن مبارك، رئيسًا للحكومة بدلًا عن معين عبدالملك، واستمرّت بنفس تشكيلة الوزراء.
المرأة
اليمن
حقوق المرأة
المرأة اليمنية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news