بعد خروج قاسم الأهبل من “عمارة النساء” مر على مطعم عبده سعيد وتفاجأ عبده سعيد بحضوره وعزمه على غدا وقات ولم يكن عبده سعيد يعرف شيئا عن قاسم الأهبل منذ هروبه بعد حكايته مع البدوية زوجة البدوي ولم يكن يعرف كذلك انه تنصَّر وان الفقهاء اباحوا دمه والسبب ان عبده سعيد لم يكن يخرج من المطعم ولم يكن يعرف ماالذي يجري خارج مطعمه.
ويومها لم يذهب قاسم الى مقيل النادي وبقي في المطعم وفي المساء عاد إلى البيت وأول ماوصل فرحت المرأة البيضاء بعودته وكان في ظنها انه لن يعود. وعند دخوله كانت الزجاجة فوق الطاولة بانتظاره وبعد أن أبصرها رفعها الى مستوى فمه وشفط ربعها على نفَسٍ واحد. وكانت تلك أول مرة يشرب فيها مباشرة من فم الزجاجة ثم وقد أعاد الزجاجة إلى الطاولة احتضن المراة البيضاء وقبّْلها وراح يعتذر لها ويطلب منها ان تسامحه وكانت هي مستغربة وسبب استغرابها هو انه كان لايعتذر عما فعل. كان هو الذي يغلط عليها وهي التي تعتذرمنه. ومماضاعف من استغرابها وتعجبها تلك الليلة هو أن قاسم الاهبل قال لها بأنه يحبها وكانت تلك اول مرة يبوح لها بحبه حتى لقد شعرت بأن تلك الليلة ستكون أجمل لياليها لكنها صُعِقت وتيبست وجف اللعاب في فمها عندما أخبرها بأنه سوف يعود الى قريته وظنت هي انه زعل منها حين رفضت ان تقوده ليلة الامس الى بيت صديقتها الصغيرة والجميلة.
ولشدة خوفها من أن يرحل ويتركها في العراء راحت تتوسل إليه أن يبقى إلى جانبها لكن قاسم كان قد حسم أمره وعقد النية وعزم على السفر والعودة الى قريته ليس لان الفقهاء أباحوا دمه وليس لأنه زعلان منها وإنما لأن “نساء العمارة” صدمنه بموقفهن وبردود فعلهن حين أخبرهن بأنه تنصَّر ودخل في دين زوجته النصرانية.
كان يحبهن وكان على يقين بانه لو أصطف كل رجال ونساء عدن مع الفقهاء فإن “نساء العمارة” سوف يقفن إلى جانبه ولن يخذلنه. لكنه بعد أن خذلنه وكسرنه وازدرينه وطلبن منه ان يخرج من العمارة قرر الخروج من عدن والعودة إلى زوجته سعود وأدرك لحظتها بأن زوجته البلهاء هي الوحيدة التي تحبه وتفهمه والوحيدة التي لن تزعل ولن تغضب منه حين تعرف أنه تنصَّر.
ليلتها وقد يئست المرأة البيضاء من اقناعه بالبقاء سألته عن موعد سفره وقالت له:
– ايحين قررت تسافر؟.
قال لها قاسم: بكرة الصباح.
وحين قال لها بأنه مسافر صباح الغد اغتسل وجهها بدموعها وراحت تتوسل إليه أن يؤجل السفر الى مابعد الغد حتى تتمكن من توديعه ولم يشأ قاسم أن يوجعها أكثر بعد أن اوجعها بقرار رحيله المفاجئ.
ثم وقد وافق على تأجيل سفره فرحت المراة البيضاء ورفعت الزجاجة إلى مستوى فمها وشربت بنفس طريقة قاسم الأهبل وقالت له وهي تضحك بأن الشرب من فم الزجاجة أفضل من الطريقة التي يشرب فيها الغربيون المتحضرون وراحت تعتذر له عن هبالتها حين راحت تعلمه كيف يأكل وكيف يشرب وكيف يكون رجلا متحضرا وليلتها راحا يشربان من فم الزجاجة هي تشرب جرعة اوجرعتين وتناوله وهو يشرب مثلها ويناولها وكانا يشربان ويضحكان وبعد أن أجهزا على الزجاجة نهضت المرأة البيضاء واحضرت زجاجة أخرى وأحضرت معها العشاء ونكاية بحضارتها الغربية رمت بالشوك والملاعق وأكلت بأصابعها ثم اعتذرت له للمرة الثانية كونها نصَّرته وادخلته في الدين المسيحي وقالت له:
– مادام وانت راجع قريتك ياقاسم ارجع دينك.
قال لها قاسم الأهبل وهو مستغرب: ليش؟
قالت له: الأديان كلها متساوية ياقاسم مافيش دين أحسن من الثاني واني كذبت علوك وقلت لك ديننا أحسن.
ومن فرط ماشربا ليلتها لم يستطيعا النهوض وناما في الصالة. وفي الصباح أخذته المرأة البيضاء بسيارتها إلى محلات في المعلا واشترت هدايا له ولزوجته بالإضافة إلى صندوق ويسكي وبعد أن انتهيا من التسوق ذهبا إلى بار في جولدمور ومنه إلى مطعم شهير في التواهي يقصده السياح وبعد الغدا عادا إلى البيت في خورمكسر وأخذ كل منهما قيلولته في غرفته وفي الساعة الرابعة عصرا ذهبا إلى منطقة البريقة وبعد وصولهما ركنت سيارتها في “كود النمر” واقتادته إلى كهف كانت هي وزوجها في أيام العطل يذهبان إليه ومعهما حاجتهما من الأكل والشراب ويمكثان فيه من الصباح إلى المغرب يأكلان ويشربان ويسبحان ويتأملان وكان مايعجبهما في هذا الكهف هو أنه في مكان آمن وشبه معزول تحيط به صخور يميل لونها الى السواد، ولحظة وصولهما نضت المراة البيضاء ملابسها كاملة وراحت تثب عارية من صخرة إلى أخرى، وعند وصولها البحر غطست في الماء فيما راح قاسم الاهبل يغطس في الزجاجة وينتظر خروجها من البحر ليودِّعها ويُودِع فيها أثمن مايملك. كان منذ أن قرر العودة الى قريته قدشعر بحب ينبجس في قلبه تجاه هذه المرأة التي التقطته من الرصده وكسته واطعمته وسقته الخمر وتزوجته من دون أن تطلب مهرا وأدخلته دينها وقالت له الحقيقة وهي أن الله لايكره الهبلان وانه سيكون له ذرية.
لكن الحقيقة التي جاء من القرية يبحث عنها أخفتها عنه ولم تقلها له.
كانت صديقتها الصغيرة والجميلة قد اتصلت بها ليلة أمس وقالت لها وهي في غاية الفرح بأنها حملت من زوجها قاسم. كان ذلك قبل أن يرجع قاسم من مقيل النادي لكن المرأة البيضاء أزدادت حقدا عليها وغيرة منها وبعد أن انتهت المكالمة أجهشت بالبكاء.
كانت امنيتها ان تحبل منه وأن ينفخ فيها من روحه ويهبها غلاما أبلها مثله أو حتى بنتا بلهاء. كانت قد أحبته بكل جوارحها وكان ماجعلها تحبه هو أنه كان يضاجعها بغريزته وبدون تفكير وبدون أن يحسب لها ولثقافتها ولحضارتها أي حساب لكأنه حيوان يضاجع بهيمة.
وكان لديها يقين بأن رجلا مثله لابد أن يلقِّحها لكنها بعد ان أخبرتها صديقتها الصغيرة والجميلة بحملها عزت سبب عدم حملها منه إلى أن قاسم لا يحبها وقالت لنفسها:
– “لو أنه أحبني مثلما أحب صديقتي كنت حبلت”
كانت زعلانة من صديقتها التي حملت من زوجها وزعلانة من نفسها وزعلانة من قاسم الذي يضاجعها من دون حب لكنها بعد أن غطست في البحر هدأت ثورتها وراحت تعزو عدم حملها إلى أن قاسم يحبها كمايحب الإبن امه وحين راحت هي تتفحَّص مشاعرها تجاهه شعرت بأن مشاعرها تجاهه أقرب ماتكون إلى مشاعر الامومة وأثناء ماكانت تسبح في البحر راح ضميرها يعذبها كونها أخفت عنه الحقيقة وراحت بينها وبين نفسها تفكرفيما حدث بالأمس بينها وبينه وتتساءل عماجعله يقترح عليها زيارة صديقتها الصغيرة والجميلة ويصر ويلح وهل خطر في باله بأنها حامل أم هي المصادفة ؟.
كانت في حيرة لاتدري ماذا تفعل وكيف تتصرف !!.
هل تقول له بأن صديقتها حملت منه؟! أم تواصل إخفاء الحقيقة عنه؟!.
وحتى ترضي ضميرها قالت تحدث نفسها بأنها لو أخبرته بأن صديقتها حملت فلربما فضل البقاء وفي هذه الحالة تكون قد تسببت في مقتله. ولأنها تحبه وتخاف عليه مثلما تخاف أم على ابنها رأت ان تخفي الحمل عنه وتدعه يذهب وينجو بنفسه..
عندئذٍ هدأ ضميرها وخرجت من البحر وهي متصالحة مع نفسها ومعه ومع صديقتها التي حملت منه وكانت الشمس لحظتها على وشك الغروب.
وتذكرت وهي تصعد إلى الكهف أنها أكثر من مرة تمنت لو أن زوجها يضاجعها في الكهف عند غروب الشمس لكي تستمتع بمنظر الغروب لكن لأنها تعرف زوجها المتحضر وتعرف أنه يقيس كل شيئ وكل فعل بمقاييس حضارة الغرب كبتت تلك الرغبة وفي كل مرة كانت تأتي فيها معه كان منظر الغروب من وصيد الكهف يشعرها بالحزن ويجعلها تتذكر كل أولئك الذين رحلوا وغربوا حتى أنها كانت تعود للبيت وهي حزينة ومكتئبة أما هذه المرة وهي مع قاسم الاهبل فاول ماوصلت الكهف رفعت الزجاجة إلى مستوى فمها وراحت تكرع ماتبقى منها في بطنها ثم أضطجعت مثل بهيمة في الوصيد.
وفيما كانت الشمس تغرب وتغطس في البحر شعرت المرأة البيضاء بشمس أخرى تشرق داخلها ويومها بدا لها الغروب أكثر جمالا من أي غروب سبق أن شاهدته. وبعد أن كان منظر الغروب يثير فيها الحزن شعرت يومها بفرح يغمرها ولشدة ماكانت فرحة ومستمتعة ومستثارة راحت تسخر من حضارتها وتصب عليها لعناتها ولحظة اقتربت من ذروة نشوتها صرخت قائلة بكل صوتها:
– “فلتذهب الحضارة إلى الجحيم”
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news