تجد إسرائيل صعوبة في تحديد سياسة تؤدي إلى وقف الهجمات التي ينفذها الحوثيون في اليمن ضدها بالصواريخ الباليستية والمسيرات رغم هجمات مضادة شنتها ضدهم.
فبعد تجنب مهاجمة اليمن طوال بضعة أشهر في بداية الحرب، نفذت إسرائيل ضربتها الأولى على مواقع يمنية في يوليو/تموز الماضي، ثم أتبعتها بهجومين إضافيين وتخطط لهجوم رابع.
وفي الأشهر الماضية ركز الحوثيون في هجماتهم الصاروخية وبالطائرات من دون طيار على منطقة وسط إسرائيل وبخاصة تل أبيب.
وتتسبب هذه الهجمات، وبخاصة تلك التي تشن في ساعات الليل، بإرباك واسع لملايين الإسرائيليين الذين يضطرون إلى الهرولة إلى الملاجئ والغرف الآمنة.
صافرات الإنذار ليلا ونهارا
ويشير المحلل العسكري في موقع "واي نت" الإخباري الإسرائيلي رون بن يشاي إلى أن "الحوثيين لا يُردعون رغم الأضرار الاقتصادية" نتيجة الهجمات الإسرائيلية.
وأضاف "فقط الضربة الحاسمة لقيادة الحوثيين وأسلحتهم، على غرار إستراتيجية إسرائيل ضد حزب الله، يمكن أن تغير موقفهم".
ولكن المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوسي يهوشع أشار إلى عدم ارتداع الحوثيين بالهجمات الإسرائيلية.
وقال "لم تؤدّ الضربات الجوية في اليمن إلا إلى تشجيع الحوثيين على مواصلة الهجوم".
وأضاف يهوشع "يواصل الحوثيون ترسيخ أنفسهم كمصدر إزعاج كبير بعد وقف إطلاق النار في لبنان وتفكيك معظم قدرات حماس في غزة".
وتابع "في الواقع، أدى الجمع بين الصواريخ والطائرات من دون طيار في هذه الجبهة (اليمن) إلى خلق واقع يتجلى في تفعيل أجهزة الإنذار ليلا ونهارا".
ومستندا إلى التقديرات العسكرية في إسرائيل، أشار يهوشع إلى أن الهجوم الثالث الذي نفذته إسرائيل على مواقع في اليمن يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي "لم يفضِ إلى ردع الحوثيين".
وقال "أدى الهجوم في الواقع إلى زيادة شهية الحوثيين لمواصلة إطلاق الصواريخ".
وأضاف "وفي مجال الطائرات من دون طيار، أضافوا حتى طريق تسلل إلى الطريق الذي كانوا يشغلونه من قبل، عبر البحر المتوسط ومن هناك إلى الساحل، إلى طريق يعبر سيناء إلى قطاع غزة ومن هناك إلى النقب الغربي" جنوبي إسرائيل.
ولذلك لفت يهوشع إلى أنه "في هذه الأثناء، لا تزال إسرائيل تناقش إذا كانت ستهاجم إيران كما يقترح رئيس الموساد ديفيد برنيع، أو في اليمن كما يعتقد الجيش".
وقال "طرح برنيع اقتراحه في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على أساس أن ذلك من شأنه ردع الحوثيين وممارسة ضغوط من طهران على فرعهم في اليمن".
واستدرك يهوشع قائلا "لكن مسؤولا كبيرا في الجيش الإسرائيلي يدّعي من ناحية أخرى أن تأثير الإيرانيين على الحوثيين ليس هو نفسه تأثيرهم على حزب الله، وأنهم نوع من الطفل المستقل والمضطرب، فالهجوم لن يحقق هدف ردع الحوثيين، وسيجدد جبهة مباشرة ضد إيران".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال الثلاثاء "لن نقبل استمرار الحوثيين في إطلاق النار على دولة إسرائيل، وسنرد على رؤساء الحوثيين في صنعاء وفي كل مكان في اليمن".
نقص المعلومات
وقال يهوشع إن "التحديات في هذا القطاع معروفة جيدا، وعلى رأسها نقص المعلومات الاستخبارية، ليس لأن شعبة الاستخبارات والموساد لم يستثمروا في هذا التهديد، بل كانت لديهم مهام أكثر إلحاحا مثل لبنان وسوريا وإيران وغزة".
وأضاف "المشكلة الثانية هي المسافة مما يجعل الهجمات معقدة ومكلفة".
وفي حديث لإذاعة "103 إف إم" الإسرائيلية، يقول الجنرال المتقاعد غادي شامني، وهو قائد سابق لفرقة غزة، إن الحوثيين يفهمون أن الليل له تأثير كبير على السكان وأن الحاجة إلى الاستيقاظ أمر مرهق"، في إشارة إلى إطلاق الصواريخ في ساعات الليل.
وأضاف "إنهم يقاتلون لفترة طويلة جدا، إنهم يعرفون كيف يقاتلون واعتادوا المعاناة، فإذا قصفت بنيتهم التحتية المدنية لن توقف هذا الأمر. ولهذا السبب يجب تسخير النظام بأكمله، النظام الدولي، في هذا الجهد".
واعتبر شامني أن "أحد الأخطاء الكبيرة في الأشهر القليلة الماضية هو أن دولة إسرائيل لم تشن هجوما أكثر خطورة على إيران ولم تضرب المنشآت النووية عندما كان من الممكن القيام بذلك. وحتى اليوم، هذا ممكن، ولكن في حينها كان هناك مزيد من الشرعية".
وأضاف "نحن في وضع يصعب علينا فيه الوقوف ومهاجمة إيران. هناك إدارة جديدة ستدخل الولايات المتحدة خلال شهر، وفي تقديري لن يذهب ترامب في هذا الاتجاه، بل سيذهب في الاتجاه المعاكس، اتجاه العقوبات والضغوط".
وتابع "هذا يمكن أن يحرج الأميركيين، ولا نريد إدخال الإدارة الجديدة في شيء لا تريد الدخول فيه، لذلك في رأيي ضاعت نافذة الفرصة".
وأشار شامني إلى أنه "يجب تسخير الأميركيين الذين يقودون هذه القصة في هذا الجهد. إسرائيل تقاتل وتنجح في القيام بأشياء مذهلة في ساحة المعركة، لكن لا داعي للخلط، ففي النهاية إسرائيل ليست بمفردها، ونحن بحاجة إلى تسخير دول المنطقة، إذ لا يمكننا ولا ينبغي لنا أن نفعل كل شيء بمفردنا".
الضرب فجرا
يذكر أن الحوثيين أطلقوا صاروخا على إسرائيل الأربعاء عند الساعة 04:26 فجرا، بينما أطلقوا صاروخا الثلاثاء الساعة 01:30 بعد منتصف الليل.
وظهر الاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض طائرة مسيّرة أُطلقت من اليمن، قبالة شواطئ تل أبيب.
وفي الساعة 03:45 فجرا من يوم السبت سقط رأس صاروخ أُطلق من اليمن على مدرسة في رمات غان، قرب تل أبيب، فأحدث دمارا كبيرا، بينما أُعلن ظهر الجمعة اعتراض مسيّرة أُطلقت من اليمن.
ومع كل هجوم من الحوثيين، وتنفيذا لتعليمات الجيش الإسرائيلي، يهرع ملايين الإسرائيليين إلى الغرف الآمنة أو الملاجئ في تل أبيب وغيرها.
ورغم إعلان الجيش اعتراض صاروخين، فإن تأثير إطلاق صفارات الإنذار على الإسرائيليين يبدو كبيرا، مع حدوث إصابات بشرية وأضرار مادية.
والثلاثاء، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية إصابة 20 إسرائيليا، بينهم إصابة خطرة، أثناء الهرولة إلى الملاجئ، في حين أفادت الأربعاء بإصابة 9 في حادث مماثل.
وعادة ما يكون لإطلاق صفارات الإنذار في مناطق وسط إسرائيل أثره الملموس، باعتبار أنها تبعد نسبيا عن الحدود مع لبنان في الشمال ومع غزة في الجنوب.
و"تضامنا مع غزة"، باشرت جماعة الحوثي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استهداف سفن شحن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بصواريخ ومسيّرات، إضافة إلى شن هجمات على أهداف داخل إسرائيل.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أسفرت الإبادة الإسرائيلية في غزة عن أكثر من 153 ألف شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news