تظل فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن مهمشة نسبيا وبعيدة عن اهتماماتنا العامة والخاصة ولا تكاد تذكر إلا نادراً، كما لم تعط هذه الفئة حقها من الاهتمام والرعاية وكيف تمارس حياتها اليومية من تعليم وغيره.
رغم انعدام فرص التعليم لدى فئة الصم والبكم في البلاد، ونقص الإمكانيات التي حالت دون احتوائهم، إلا أن مجمع "بلقيس" للتعليم الأساسي والثانوي بمدينة تعز كان بارقة أمل لهذه الفئة، ومنحهم حقهم في التعليم والالتحاق بصفوف الدراسة وهي فرصة نادرة في مجتمعنا العام.
مجمع "بلقيس" للتعليم الأساسي والثانوي بمدينة تعز، الذي مولته وشيدته "مؤسسة توكل كرمان"، يعد من أحد إنجازات المشاريع الخدمية لتلك المؤسسة.
ويضم المجمع أيضا مدرسة "بلقيس" للصم والبكم إضافة إلى مدرسة بلقيس للتعليم الأساسي والثانوي، بتكلفة إجمالية قدرُها سبعمئة مليون ريال في المشروع الذي يُعدّ الأول من نوعه في المحافظة.
وتتكون مدرسة الصم والبكم من أربعة عشر فصلا دراسيًا ومكتبة ومعمل حاسوب وغرفة للإدارة، فيما يستوعب المجمع إجمالا بعد الانتهاء منه ثلاثة آلاف طالب وطالبة.
هذا المشروع أسعد شريحة الصم والبكم وذويهم بعد حرمانهم من مدرسة جامعة تحتضنهم ببرامجها التعليمية من الصف الأول أساسي وحتى الثانوية.
ويوجد في المجمع "بلقيس" لتعليم الصم والبكم، قسم كامل يحتوي 500 طالب كما يتوفر الآن 50 طالب في الوقت الحالي، ورغم أن البناء والتجهيز حديث العهد، لكن لمست في زيارتي جهود شخصية حثيثة في تقديم يد العون لأطفال حرموا نعمة التخاطب السليم ومن الأحرى تقديم المجتمع الدعم لهذه الفئة.
جهود شخصية
تم إعادة بناء المجمع الخاص بفئة الصم والبكم في 2024 بدعم من مؤسسة توكل كرمان، إلا أنه حاليا يعترضه الكثير من المشاكل والتي من أبرزها الدعم من المؤسسات والهيئات الحكومية ومن وزارة التربية والتعليم، وعدم إعطاء المجمع اهتمام خاص بالإضافة إلى وجود ثقافة تقليدية وافتقارهم للإمكانيات الحديثة، مما تؤدي بهم إلا سوء التعليم فيصبح التحاقهم بالمدرسة شيء معيب بحقهم وحق أسرهم.
محفوظة محمد صالح، مدير المدرسة تطرقت إلى عملية الدراسة وعن الاحتياجات والمشاكل التي تنقص قسم الصم والبكم. في حديثها لـ "الموقع بوست" قالت صالح إن "قسم الصم والبكم يحتاج إلى كادر وظيفي متميز ليتميز الأطفال، لديه مؤهلات وحصل على دورات لغة الإشارات، لكي يسهل علينا التفاهم وفهم هذه الفئة".
وأضافت "نحن نسعى عبر هذا القسم إلى تأهيل وتدريب فئة الصم والبكم تأهيلا كاملا ليشارك في بناء هذا المجتمع، وكما ترون أننا نعيش في مجتمع تقليدي مفتقر لكل الاحتياجات اللازمة، ورغم ذلك فإننا نسعى لربط هذه الفئة بشريحة المجتمع والتفاعل لتحقيق أحلامهم طموحاتهم".
طبيعة المنهج
وذكرت "هناك عجز في بعض المواد الدراسية مثل الصف السابع والثامن والتاسع في مجال اللغة العربية، وكادر متخصص ليسهل للطلاب الفهم ويكون أكثر مرونة بالشرح والانسجام والتفاهم، لأنهم من فئة الصم والبكم"، تضيف صالح "أنا التي أصبحت مثل الأطرش بالزفة لعدم تمكني من فهمهم".
وعن التنسيق بين وزارة التربية والتعليم وبين المدرسة، أكدت محفوظة صالح، مدير المدرسة "أنه لا يوجد أي تنسيق يذكر إلا بعض الزيارات التي يقوم بها بعض الموجهين من وزارة التربية والتعليم".
مؤهلات سابقة
وعن طبيعة المنهج وعملية التدريس تقول مديرة القسم الخاص بالصم والبكم في المجمع "نقوم بتدريس هذه المواد الدراسية الموجودة في المنهج التدريسي لكل المدارس ونعطيهم حقهم في التعليم وتلخيص الدروس والمعلومات المهمة من المنهج الدراسي".
واضافت "كما تعلمون لغة الإشارة من أصعب اللغات في العالم ولكن مع تعاون الكادر التدريسي من فئة الصم والبكم، فإننا نتجاوز معهم صعوبات تسهل علينا كثيراً من مشقة التعب، وعليا كمديرة في هذا القسم لابد لي ولبقية الكادر في المجمع أن يتعلم لغة الإشارة ليسهل علينا التعامل معهم".
وترى محفوظة أن يتم دمج الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالطلاب البقية لضرورة تعليم الطلاب وعدم التمييز بين الفئات المتعددة وتفعيل الاتصال والتواصل بينهم ليندمج الجميع ويتم التآلف فيما بينهم للحد من عنصر التمييز بين الأطفال".
وقفة احترام واجلال
منة خلال دخولك المدرسة تلتقي بالمعلمين المتطوعين "جميع الكادر الوظيفي من فئة الصم والبكم " كأشخاص تسموا عليهم روح النقاء والتعاطف مع الأطفال الصم والبكم وتحمل تعليمهم الشاق بدون مقابل فهم يستحقون وقفة إجلال واحترام وتعظيم لأرواحهم السامية والنقية.
إصرار كل المعلمين رغم كل الصعوبات والمشقات التي تواجههم، فهم يريدون بناء مجتمع مكتمل بإصرار وثبات لتعليم الأطفال ليأخذوا حقهم في العلم والعمل في المجتمع، وتحقيق أحلامهم من حقهم كأفراد في المجتمع رغم كل الصعوبات والتهميش لهذه الفئة.
نظرة أمل كبيرة
والدة "سما سمير صالح" العائل الوحيد لأسرتها ولسبب بعدها عن المدارس وعدم وجود مدارس تختص بتعليم الصم والبكم، لم تتمكن من تعليم طفلتها التي تبلغ من العمر تسع سنوات ولم تلتحق بالمدرسة، ويحزنها عدم تمكن ابنتها من الحصول على التعليم لأسباب عديدة.
وكما تضيف والدة عمر طاهر البالغ من العمر 15 عاما ولم يلتحق بأي مدرسة لصعوبة لقمة العيش وعدم توفر مدارس تحتوي ولدها الأصم الابكم.
في حديثها لـ "الموقع بوست" تقول والدة عمر إن ولدها يعاني من صعوبة الفهم وعند سماعها بإعادة بناء مجمع بلقيس للصم والبكم أسرعت بإلحاق ولدها بالمدرسة ليمارس حقة في التعليم.
تضيف "بسبب ضعف ولدي في التركيز والفهم أترك كل أعمالي المنزلية لأذهب بولدي إلى المدرسة ليأخذ حقه في التعليم.
وتشارك والدة سما في الرأي وتقول "نريد لأبنائنا ذوي الاحتياجات الخاصة أن يتعلموا ليعيشوا حياة كريمة، فاليوم نحن بجانبهم ولكن غدا لربما لن نكون بجانبهم".
فرحة أم
تصف أم سما لـ "الموقع بوست" عند سماعي ببناء المجمع سررت كثيرا وانتابني شعور لا يوصف من الفرحة، فسارعت بإدخال ابنتي المدرسة لكي تتعلم وتحقق أحلامها وآمالها، ففي المجمع تم توفير العاب الذكاء الذي تساعد طفلتي، كما أن هناك الحروف والألوان ووسائل عديدة لمساعدة ابنتي في التعليم".
بوجهٍ بشوشٍ عليه السعادة قالت أم سما "أوجه شكري لمؤسسة توكل كرمان بإعطاء طفلتي الحق في التعليم، وأحب أن اوجه عظيم امتناني لمدير المدرسة وللكادر الوظيفي المتطوع في تدريس أبنائنا".
أم عمر هي الأخرى تضيف "عندما سمعت بخبر بناء المجمع الصم والبكم سررت حتى أنني بكيت لأنني سألحق ولدي الذي أصبح شابا أن يدرس ويحقق أحلامه وأحلامي في أن أراه إنسانا ناجحا يدرك كل من حوله، كما أنني اساند بالقول أم سما وكل الأمهات بجزيل الشكر والعرفان لمؤسسة توكل كرمان ومديرة المدرسة وللكادر الوظيفي الذي يتعب بلا مقابل أو رواتب، فلقد انقذوا ولدي وأولاد آخرين من الأمية وأعطوهم حقوقهم في الحصول على التعليم".
لفته قبل الوداع
من داخل مجمع "بلقيس" لتعليم الصم والبكم في تعز، الكل يلفت الانتباه من الاهتمام بهذه الفئة، حيث توقفت عند الوسائل التعليمية لهذه المدرسة التعليمية، لكن للأسف المدرسة تفتر لوسائل تعليمية حديثة خاصة بالصم والبكم.
فالمدرسة لا زالت تعاني وتحتاج من المؤسسات والهيئات والمنظمات ووزارة التربية والتعليم بإعادة النظر فيما يخص أفراد الصم والبكم خاصة افتقارها إلى وسائل تعليمية حديثة خاصة بهم، إلى جانب الدعم بدورات خاصة بلغة الإشارة لجميع الكادر الوظيفي لتمكنهم من انجازات أكبر، كذلك دعم الكادر الوظيفي برواتب مقابل عملهم فهم يستحقون الدعم.
وترى كل الأمهات أن توفير كل هذا سيوفر عليهم العناء في فهم أطفالهم وتوفير باصات للمدرسة ليسهل على الأطفال عناء التنقل والتعب.
وحذرت الأمم المتحدة من وجود 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة، وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في تقرير حديث لها إنه "في غضون ما بين خمس وعشر سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميا، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمرا إشكاليا أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news