يعاني ذوو الإعاقة في مدينة تعز من تهميش كبير من قبل المجتمع وإهمال لا نظير له من قبل السلطات المحلية ، ما جعلهم في حالة من الانعزال عن الناس، وبعد عن حصولهم على حقوقهم المشروعة في التعليم واختيار التخصصات وفي ممارسة الوظيفة بعد الحصول على الشهادة.
ويعيش الكثير من المعاقين حركيا وعقليًا في بعد تام عن الناس؛ بسبب الخجل غير المبرر له الذي يعتري أسرهم التي تشعر بالإحراج من إظهار أبنائها أمام الناس وهم في تلك الحالة الخاصة.
كما أن ثقافة المجتمع تجاه ذوي الإعاقة وكيفية التعامل الإيجابي معهم شبه منعدمة، أو منعدمة تمامًا- إن جاز التعبير- وهذا ما دفع أصحاب الشبكة الشبابية لذوي الإعاقة والمهمشين إلى تأسيسها.
وقد اكتمل تأسيس الشبكة في 2024/11/7 وقد سبق هذا التاريخ رحلة مضنية في تجميع الكادر الذي حاول الفريق أن يضم فيه لكل فئة ممثل لها، للمعاقين والمهمشين والمكفوفين وغيرهم، علمًا بأن كادر هذه الشبكة كله من ذوي الهمم.
وبهذا الشأن تقول الشابة لميس الهمداني رئيسة الشبكة وممثلة المعاقين حركيًا" نظرًا لما يعانيه المعاقون بشكل عام، والمكفوفون والمهمشون من إجحاف كبير من قبل المجتمع ومَن فيه، سواء من الطبقة المثقفة أو غير المثقفة، قمنا بتأسيس هذه الشبكة من أجل إيصال أصوات ذوي الهمم والمهمشين للمجتمع والسلطات المعنية، بأننا نحن بشر نستحق الحياة بكرامة وأن ما نحن فيه من إعاقة لم تأتِ من صنع أنفسنا وإنما هي قدر من الله".
وأضافت الهمداني" هناك من قصص المعاناة التي يعانيها المعاقون داخل مدينة تعز وخارجها ما يندى لها الجبين وما لا تصدقها العقول، فهناك من المعاقين من لم يختلط بالمجتمع إطلاقًا بسبب إعاقته، وهناك من لم يعلم بوجودهم بالحياة حتى جيرانهم، إلا بعد وفاتهم وقد عاشوا أكثر من عشرين عامًا داخل المنزل وبين أربعة حيطان، منعزلين عن الناس ومنبوذين من قبل أسرهم".
*السجن داخل المنزل
وأردفت" هناك فتيات خلقن معاقات وشعرت أسرهن بالخجل من إظهارهن وحكمت عليهن بالسجن داخل المنزل دون ذنب، إلا أنهن خلقن معاقات، وهناك من تُحَارب من قبل الأسرة قَبل المجتمع، فبعض أمهات المعاقين يشعرن بالرحمة تجاههم ويعاملنهم معاملة تليق بحالتهم؛ ما يدفع بعض الإخوة إلى الغيرة وعمل المكائد التي أودت ببعض المعاقات إلى الرمي وسط الطرقات والطرد من داخل البيوت".
وأشارت لميس الهمداني في حديثها لـ" المهرية نت" إلى أن " ثقافة المجتمع تجاه المعاقين ثقافةٌ معاقة وبحاجة لإصلاح هذه الإعاقة وهذا ما تهدف له هذه الشبكة التي قمنا بتأسيسها والتي يعمل فيها طاقم جميعه من ذوي الإعاقة والمهمشين، فهدفنا هو إنقاذ المعاق وإدراجه في المجتمع بالشكل الذي يجب".
وتابعت" عملنا حتى الآن اجتماعات للفريق الإداري وصلنا إلى السلطة المحلية، وكان هناك تجاوب من قبل السلطة في منحنا فرصة النزول الميداني سواء للجامعات أو المدارس وذلك من أجل إرشاد أبناء المجتمع وإزالة الغشاء عن العيون التي تنظر بدونية لهذه الطبقة المعاقة والمهمشة".
ولفتت إلى أن " الشبكة عملت ورشة عن حقوق ذوي الإعاقة، حضر فيها عدد من أعضاء السلطة المحلية بالمدينة، كما سجلت بعض الفتيات في أسبوع الريادة، الذي أقيم في الغرقة التجارية بالمدينة، بالإضافة إلى شرح وتوعية الكثير من المعاقين بالحقوق المكفولة لهم في القانون، ولا تزال لدينا الكثير من الأعمال التي ستعود للمعاقين والمهمشين بالفائدة الكبيرة، سوف يبدأ العمل بها خلال الأيام القادمة".
وواصلت" نحن في صدد البحث عن المساعدات للمعاقين مثل الحصول على الكراسي المتحركة للذين لا يستطيعون المشي، والعصي الخاصة بالمكفوفين وغيرها من الأمور التي لا يستغني عنها المعاق".
وناشدت الهمداني قائلة " نحن بحاجة ماسة إلى طريق خاص بالمعاقين، فالمعاقون لا يستطيعون المشي بأمان في شوارع المدينة وذلك لأنه لا توجد طرق خاصة بهم، فهم يضطرون للمشي بين الزحام وبين السيارات والباصات التي لا تفرق بين معاق وطبيعي ما يجعل غالبيتنا معرض للحوادث المرورية بأي لحظة، نحن نتمنى أن نمشي وحدنا دون أن يوجد بجوارنا من يمسك بأيدينا ويدفع الضرر عنا، نريد أن نعتمد على ذواتنا وهذا لن يكون إلا عن طريق مساعدة السلطة المحلية لنا".
وأرسلت الهمداني رسالتها للمعاقين داخل مدينة تعز" نريد منكم الانضمام لهذه الشبكة، أظهروا أنفسهم بلا خجل، فلا عيب فيما اختاره الله لنا، أوصلوا أصواتكم للسلطات وللمجتمع بشكل عام، لن ينظر لكم المجتمع بعين التبجيل إلا إذا أثبتم أنفسكم بأنفسكم".
*ليتمتع الجميع بحقوقهم
في السياق ذاته يقول راني الحذراني" المدير التنفيذي للشبكة وممثل طبقة المهمشين"نحن شباب من ذوي الإعاقة والمهمشين كوّنا شبكة شبابية مناضلة، ندافع عن حقوقنا وكرامتنا ونعمل فيها يدًا بيد من أجل بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولية، كي يتمتع الجميع بحقوقهم كاملة دون تمييز".
وأضاف الحذراني لـ" المهرية نت" نؤمن أن كل فرد يستحق حياة كريمة، و نسعى جاهدين لتحقيق هذا الهدف من خلال مناصرة حقوقنا وتغيير السياسات وشرعنة القوانين الخاصة، وسوف نعمل على تمكين الشباب من ذوي الإعاقة والمهمشين من خلال توفير الدعم والخدمات اللازمة، وتشجيع المشاركة المجتمعية لديهم".
وتابع" شبكتنا تتبني مجتمعًا أكثر شمولية، وشبابا رائدين في مجال مناصرة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمهمشين في المجتمع، وسوف نعمل على تعزيز المساهمة في تمكين الشباب من ذوي الإعاقة والمهمشين من خلال توفير الدورات التدريبية، وبناء الشراكات مع المنظمات الأخرى، وتنظيم حملات التوعية؛ بهدف بناء مجتمع أكثر شمولية؛ من أجل أن يتمتع الجميع بحقوقهم كاملة دون تمييز".
وأرسل الحذراني رسالته للحكومة" ما نريده من الحكومة أن تجعل القوانين الخاصة بنا مطبقةً على أرض الواقع، وأن تساهم في وضع الحلول التي تساعدنا في عملية دمجنا بسهولة داخل المجتمع، وأن توفر الممرات والمباني التي تتناسب مع المعاقين".
ووجه رسالته للمعاق والمهمش" رسالتنا للمعاق والمهمش، ألا تستسلموا للظروف التي أنتم فيها، اعملوا بكل جهد حتى تصبحوا عناصر فعالة تساهم في بناء مجتمعكم، لا تنظروا لأنفسكم بأنكم عاجزين أو منبوذين ففي داخلكم قدرات وإبداعات تستطيعون أن تنافسوا بها الآخرين وتفوزوا عليهم".
*عودة الأمل
من جهته يقول، رشاد عبدالجليل، أحد المعاقين، المسؤول المالي في الشبكة :-" قبل انضمامي للشبكة الشبابية لذوي الإعاقة والمهمشين كان ينقصني الوعي والمعرفة بالقوانين الخاصة بذوي الإعاقة، وهذا ما تسبب لي بالإحباط الكبير؛ لأنني بالعادة كنت أخبر نفسي أنه لا يوجد لي حقوق داخل البلاد، وكنت أوهم نفسي بأنني لا أرى المجتمع يوليني أي اعتبار، بل إضافة إلى ذلك كنت أحسن وكأنني ممسوح من هذه الأرض لا قيمة لي على الإطلاق".
وأضاف عبد الجليل لـ" المهرية نت" بعد انضمامي للشبكة عرفت القوانين الخاصة بالمعاقين، أحسست أنني عضو فعال في المجتمع لي حقوق وعلي واجبات ينبغي أن أقوم بها على أكمل وجه، ومن هنا تغيرت طريقتي في التفكير وأصبحت لي أهداف أرغب أن أحققها في المستقبل وأسعى لذلك بكل اجتهاد".
وأردف" عندما عاد لي الأمل في الحياة ودب في عقلي وقلبي شعور التفاؤل، أردت أن يكون كل المعاقين أمثالي يشعرون الشعور ذاته بعيدًا عن الإحباط والتخفي عن أنظار الناس، وهذا ما دفعني إلى أن أبدأ بتوعية المعاقين بقوانينهم، وتغيير نظرتهم للحياة وبعث الأمل والثقة في نفوسهم".
وتابع" شعور جميل أن ترى أمثالك من ذوي الهمم من كانوا محبطين ويائسين من الحياة أن تراهم يعيشون لحظات من الأمل والفرح يتحدون الحياة والظروف القاسية ويقسمون على أنفسهم إلا أن يكونوا أفضل مما يخيل للناس".
وواصل" فكرة تأسيس هذه الشبكة فكرة جميلة نتمنى أن يكون لها صداها ليس فقط في مدينة تعز وحدها وإنما في بقية محافظات اليمن كما نأمل أن يحصل كل المعاقين والمهمشين على حقوقهم دون انتقاص".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news