الإهداء:
إلى الصديق والرفيق، عبدالواحد غالب الزعيتري، ” المرادي”، كهوية سياسية حزبية.
قائد سياسي نظيف، يمتلك عقلاً فكرياً وسياسياً مدنياً تحررياً وديمقراطياً.
أحد تلاميذ “حزب البعث العربي الاشتراكي”.
في آواخر النصف الأول، ومطالع النصف الثاني من الستينيات، كان من رموز الفكر السياسي الاشتراكي/ التقدمي، في قلب الحركة الطلابية اليمنية، في سوريا/ دمشق، فقد انحاز مبكراً لفكرة وقضية اليسار الاشتراكي التقدمي .. وطني وقومي عربي بأفق ديمقراطي مدني، لم تكن له مصالح خاصة وهو في قلب قيادة الحزب، الذي كان يدير الدولة، كان يعمل دون كللٍ وبدأبٍ يحسد عليهما، من أجل الناس، وقريباً من جميع رفاقه، خدوم / اجتماعي، ومبادر في نجدة رفاقه في الملمات.
قاد ، كسياسي ثوري نظيف، تنظيم معارك الكفاح السياسي، في قلب نضال “الجبهة الوطنية الديمقراطية”، في العديد من مناطق ارياف اليمن، حين كان الخطر محدقاً بمن يذهب إلى هكذا مواقع كفاحية.
لم يسع يوماً لمواقع ومناصب في الدولة، وقال هذا الكلام بوضوح، ونحن في قاعة دورة اللجنة المركزية، تمهيداً لإقرار الموافقة على إعلان قيام دولة الوحدة بأيام قلائل، حين كانت هناك مواقع ، ومناصب يمكن الحصول عليها بيسر، ولكنه ارتفع عن الصغائر الذاتية.
وطني جنوبي حتى العظم كخيار سياسي وطني، وقف مع قضية الحراك الجنوبي السلمي الديمقراطي من أول وهلة، ضمن أفق رؤية وطنية يمنية.
يمارس السياسة بروح صافية، وبفكر صادق و اضح، ولا يهادن في المبادئ والقيم السياسية الكبرى، وفي الدفاع عما يعتقده، وعلى ذات الطريق الذي اختاره وهو في ريعان الشباب، وحتى وهو على بداية عتبة الثمانينيات من العمر.
كل التمنيات له بدوام وكمال الصحة، ومواصلة الرحلة/ المشوار، نحو دولة مواطنة وعدالة وحرية للجميع.
مفارقات عجيبة، محزنة، ومفرحة، من جانب احتفالات جماهيرية مشروعة لسقوط نظام عائلة الأسد، بعد طول إرهاب وطغيان دام لأكثر من نصف قرن(54سنة)، إرهاب سياسي دموي يومي متواصل، ومن جانب آخر مستقبل سياسي مفتوح على جميع الاحتمالات، مع غياب حامل سياسي مدني تحرري ديمقراطي، وفي واقع خليط متناقض من الحوامل السياسية. كلٌ يدعي وصلاً بالثورة على نظام الاستبداد الأسدي العائلي، وهذا الوضع هو الذي جعلني اتحدث في العنوان، عن الفوضى والمجهول، فبعد أقل من عشر ساعات من سقوط النظام العائلي الدموي رأينا كيف تمت استباحة مفتوحة للأراضي السورية من قبل الكيان الصهيوني، والذي بدأ مع سقوط النظام العائلي الأسدي، الذي مهد له اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان، نرى معه بدء صفحة احتلال جديد لأراضٍ سورية استراتيجية تدخل ضمن عمق الأراضي الوطنية السورية، احتلال إذا ما تهيأت له الأجواء الخارجية والداخلية قطعاً سيأخذ حالة الاحتلال المستدام للأراضي السورية وهو ما أعلن عنه نتنياهو، صراحةً وبوضوح، ولم نسمع ونر موقفاً سياسياً عربياً، واضح تجاه هذا العدوان الاحتلالي للأرض السورية سوى بعض بيانات الإدانة المكرورة التي لا تقدم ولا تؤخر، بيانات هي تعبير عن الواقع السياسي العربي التابع والمتصهين.
علماً أن عدوان الكيان الصهيوني، على سورية/ دمشق، وغيرها من المدن، بالقصف بالطيران لم يتوقف، طيلة فترة حكم بشار الاسد، ودون أي رد، ولكنه لم يصل حد الاحتلال للأرض.
إن اللحظة الاستبدادية المتواصلة هي وحدها في المنطقة العربية التي لها عمق تراكمي تاريخي أصيل، لم يحدث فيها ومعها قطع أو انفصال لصالح لحظة الحرية المصادرة ، والتعددية المقموعة، من قرون سحيقة، وبهذا المعنى فإن حافظ الأسد، وبعده ابنه الوريث لحكم العائلة، الذي أكد في التاريخ المعاصر مواصلة ذلك التاريخ الاستبدادي التراكمي الذي واصله وعمقه وبصورة أسوأ وفي شروط عصر مغاير.
ابن مدلل في دولة تاريخية عريقة وعظيمة، وحزب وطني وقومي كبير، يصل فيه الوريث غير الشرعي إلى الأمانة العامة للحزب، وإلى قيادة الجيش ورئاسة الدولة ، خلال دقائق معدودة تم فيها تفصيل وتغيير الدستور السوري على مقاس عمره، وهي اللحظة السياسية لبداية إعلان سقوط الدولة السورية، وغياب حزب البعث، الذي لم يبق منه سوى الصورة والاسم.
وهنا من المهم جداً التذكير للفكر، واللتاريخ من أنه يجب أن لا نخلط بين حزب البعث العربي الاشتراكي بدوره السياسي التاريخي القومي التحرري، وبين عائلة الأسد، لقد اختطفت هذه العائلة الاستبدادية الحزب، وعملت على توظيفه، وكل مؤسسات الدولة لصالح العائلة، وضداً على إرادة الشرفاء فيه الذين لم يرحمهم استبداد العائلة من أول لحظة الانقلاب على قيادة الحزب التاريخية، وعلى الدولة السورية في طابعها الوطني والقومي التحرري.
انقلاب جاء باسم “التصحيح” الزائف ليؤسس مواصلة وحشية معاصرة للاستبداد التاريخي، وفي حالة قطع عدمية، وعبثية مع كل تاريخ السياسية المدنية، وكل تاريخ التحرر الوطني السوري.
إن كل تفاصيل حياتنا السياسية، والفكرية العربية تعيش حالة فصل، وعدم تواصل وقطع خارج شروط التراكم المعرفي، والسياسي التاريخي، تاريخ قطع، حتى العدمية، عدا تاريخ العنف والاستبداد ، وكأنهما الجائزة الكبرى السلبية التي تلاحقنا حتى بعد استقلالاتنا الوطنية عن المستعمر ، والتحرر من المستبد ، وكأنها قدرنا التاريخي ، أنظر للصورة الواقعية أمامك من بعد ثورات الربيع العربي 2011م، أنظر لمصر ، وللعراق وليبيا واليمن والسودان، وتونس، وسوريا – اليوم – دليل حي على ذلك، ونحن في اليمن نموذج بارز على هذا الصعيد وفي هذا الاتجاه، إذا لم يفهم ويتعظ من يريد احتكار السلطة والثروة باسم حق ألهي، وهي أفكار ومفاهيم معادية ومناقضة لجوهر المعنى الديني الإسلامي، والفكر السياسي الإنساني المعاصر.
كانت اللحظة الأولى في سوريا المعاصرة لمعاودة إنتاج الاستبداد الكارثي/ الطغياني مع انقلاب العقيد، حافظ الأسد، على قيادة الحزب التاريخية، وعلى قيادة الدولة/ الجمهورية بعد أن وضع القيادة التاريخية في أقبية الموت، والمعتقلات السوداء التي بدأ في التأسيس لها منذ تلك اللحظة، حيث اغتال قيادة الحزب والدولة موتا ًفي السجون حتى آخر نفس، وكأنهم أعداؤه التاريخيون، هذا هو حافظ الأسد في صورته الحقيقية، عمل قطعاً مع كل شيء جميل في تاريخ سوريا إلا العنف والاستبداد ضاعف منهما وراكمهما بصورة خرافية كعنوان سياسي لبداية حكمه، وكأنه ليس فحسب مفتوناً، بالاستبداد ، بل ومعجونٌ بالقتل ورائحة الدم والموت حتى العظم، ومن هنا بداية تأسيسه، لــ”الجمهورية الوراثية” قبل السادات، وبن علي، وعلي عبدالله صالح، والقذافي.
لقد شاد حافظ الأسد خلال ثلاثة عقود من حكمه المباشر المداميك السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية “للجمهورية الوراثية”، من خلال “الدولة الأمنية”، المتكاملة والمتضامنة مع الدولة العميقة الاستبدادية، التي أثرت وتبرجزت من المال العام ومن علاقتها بالسلطة ، من خلال احتكار حالة ثنائية : “السلطة والثروة”، الموجهة ضد وحدة الشعب والسلطة والثروة، وهذه الخلفية السياسية المخابراتية، “الدولة الأمنية”، هي التي أوصلت الطفل المدلل إلى الأمانة العامة لحزب البعث، ولرئاسة الجمهورية، مع وجود قادة كبار وتاريخيين في الحزب والجيش والدولة ، وبدون أي حيثيات سياسية، ووطنية وكفاحية تؤهله لذلك، سوى أنه ابن العائلة الأسدية، ولذلك أنا شخصياً لا أتفق مع من يتحدث ويوصف نظام حكم حافظ الأسد، وابنه، بأنه نظام “علوي/ طائفي”، وهو توصيف مفاهيمي غير واقعي، هو نظام استبدادي عائلي، سياسي/ طبقي، ووظف جميع القاذورات المذهبية والأيديولوجية والسياسية والعرقية والأمنية تحديداًً لصالح استمرارية حكمه الخطأ والخطيئة في تاريخ سوريا، ومن هنا سقوط نظامه المدوي والكارثي على الشعب والدولة، بل وقد يكون كارثة على مستقبل الأمة العربية كلها.
ومثل هذا التاريخ السياسي الدموي الأسود، لا يمكنه أن ينتج إلا تلك السجون/ المسالخ التي تتقزز منها الطبيعة الإنسانية السوية، ويندى لها جبين العصر والإنسانية، وبهذا المعنى فإن حافظ الأسد وابنه ليسا أكثر من مجرمين ضد الوطنية السورية، وضد الإنسانية، بصرف النظر عن الشعارات الوطنية، و”القومجية” التي كانا يرفعانها للإعلان والاستهلاك السياسي اليومي، وهو الذي لم يحرك ساكنا طيلة ثلاثة عقود من حكمه باتجاه مقاومة الكيان الصهيوني واستعادة الجولان الذي كان سبباً مباشراً في ضياعه حين كان وزيراً للدفاع، والقوات الجوية، قبل وبعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967م.
سخر قوة الجيش والأمن ضد الداخل الوطني المعارض السوري، وضد الحركة الوطنية في لبنان،، حين تدخل مرجحاً كفة اليمين المسيحي المتصهين/ اللبناني، والحديث يطول حول ذلك.
ومن هنا من حق الشعب السوري أن يبتهج وأن يفرح لغياب نظام الإرهاب والاستبداد الأسدي المقيتـ،، والذي يتحمل الجزء الأكبر على وإلى ما آلت إليه الأوضاع في سورية اليوم من تفكك وتدمير واستباحة من الجميع: أمريكا والكيان الصهيوني وتركيا وإيران وروسيا، ووكلاؤهم من الجماعات المليشوية المسلحة / الدينية والجهادية الإرهابية الملحقة بهم والممولة من قبلهم جميعاً، باعتبار المليشيات متتجاً خاصاً بهم وبالنظام الأسدي بهذه الصورة أو تلك.
إن ذلك التاريخ السياسي الاستبدادي / الوراثي الذي أسس له حافظ الأسد، ووريثه غير الشرعي، على مستوى السياسة والسلطة، هو الذي جعل بشار – غير الأسد – يدافع عن السلطة ، دفاعه عن الشرف والعرض ضد شعبه متمسكاً بكرسي عرش الملك باعتباره وريثة عائلية، ومن هنا تعامله الدموي مع ثورة شعبية جماهيرية سلمية بالرصاص والمدافع، والبراميل المتفجرة، وحتى الطيران، وهنا، وعند هذه اللحظة كتب بشار باحرف الدم والرصاص، بداية نهاية نظام عائلة الأسد، بعد أن وجد نفسه يواجه تدخلات خارجية عديدة عربية/ خليجية ، واستعمارية أوصلته إلى الاستنجاد بالخارج الاستعماري، الإيراني والروسي وهي القوى التي سلبته إرادته السياسية والوطنية، وافقدت سوريا سيادتها واستقلالها الوطني وتحررها القومي.
فالطغاة في التاريخ هم من يستقدمون الغزاة ، وتلكم هي خلاصة حكاية العائلة الأستبدادية الأسدية، بعد أن سقطت عنها كل شعارات وبراقع الوطنية والقومية.
أكثر من نصف قرن (54 سنة)، وعائلة الأسد، وليس “الطائفة العلوية الكريمة”، هي من تحكم سوريا المعاصرة، أكثر من جيلين ونصف، عاشوا في كنف الرعب والخوف، والقتل والسحل اليومي للمعارضين، بل ولكل من يتورط في قول كلمة “لا” ، أو أي كلمة لا تعجب شبيحة الأسد، غابت معه الحياة السياسية المدنية والديمقراطية وصار الفساد السياسي والفساد الاقتصادي هما عنوان شعار المرحلة العائلية الأسدية، بعد أن فتح المجال للجماعات العسكرية، والأمنية من داخل النظام ومن خارجه في الهيمنة على كل شيء في البلاد، ضمن ما يمكنني تسميته بــ”الدولة الأمنية”، دولة استخباراتية أمنية غطت وجه البلاد ببطشها وعنفها الدموي بلا حدود، حتى صارت إمكانية معرفة عدد الأجهزة الأمنية، ومكاتب الأمن وفروعه لغزاً وسراً من أسرار “الدولة الأمنية” ، ومن هنا مطالبة المجتمع الدولي بشار الأسد بالكشف عن المواقع والمداخل لحل لغز الدخول إلى بنية هذه الأجهزة الأمنية!!..
إن عمر سوريا المستقلة المعاصرة (78 سنة)، منها (54 سنة) في سجن عائلة الأسد، وبدون حريات ولا حقوق سياسية، فقد حكمت عائلة الأسد قرابة جيلين ونصف، وما تبقى من ال (78 سنة)، هو (24 سنة) ، هي عمر الاستقلال والحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة التي عرفتها سوريا في ظل حياة نيابية ديمقراطية، شارك فيها حتى الإخوان المسلمون الذين كان لهم نوابهم في البرلمان، ومواقفهم السياسية مفتوحة على الجميع، وكان الصوت الإسلامي الديمقراطي مصطفى السباعي ، ومعروف الدواليبي ، من رموز قيادة الإخوان المسلمين، وفي البرلمان، إلى جانب الشيوعين والقوميين والوطنيين عامة.
باستثناء، فترة الانقلابات العسكرية المتسارعة والمتتالية، المحدود في الزمن ؛ حسني الزعيم، اديب الشيشكلي، وسامي الحناوي.
لقد سرقت ودمرت عائلة الاستبداد الأسدي (54 سنة) من عمر سورية في حروب ضد الداخل ، ولم نعلم عن معركة خاضها حكم الأسد، ضد الخارج الاستعماري!! باستثناء حرب أكتوبر 1973م، التي لم يحقق فيها أي نصر عسكري أو سياسي، لصالح سورية !! لأنه كان مشغولاً بالترتيب لهندسة جمهوريته الوراثية العائلية.
نظام عائلي استبدادي مغطى بــ”دولة أمنية” وأجهزة قمعية ودولة عميقة لا تقبل بك إلا مدجناُ أو صامتاً أو خرسَ أو ميتاً ..قبضة أمنية مخابراتية لا يعلو عليها شيء، لا يستطيع حتى عضو القيادة القومية، والقطرية من مساءلتها أو التدخل في شؤونها إلا من كان لصيقاً وواحداً من أبناء هذه الأجهزة من الشبيحة الكبار.
حتى بيان “القيادة القومية”، الذي طالعناه في مواقع التواصل الإجتماعي يتحدث عن كيف حول النظام الأسدي “دور الدولة من دولة حماية ، ورعاية اجتماعية إلى دولة أمنية” حولت “النظام من دولة طالبة أو مطلوبة دائمة للعمل العربي الوحدوي، إلى دولة ترتبط بتحالفات مشبوهة تناصب العروبة العداء، وبما أدى إلى أفراز نتائج شديدة السلبية على الواقع القومي، ولذلك يوجه بيان القيادة القومية الذي لم ينكره أحد “التحية لمناضليه الذين ثاروا وانتفضوا على حكم الاستبداد والتوريت، ومصادرة الحريات العامة ولارتهان سوريا لقوى إقليمية ودولية نمت أدوارها على حساب مصالح الشعب ، وأمنه الوطني والمجتمعي” ولذلك لا نستغرب أن هناك العديد ممن خرج من السجون حياً، – بعضهم – هم من المعارضين داخل الحزب، الذي لم يبق من اسمه سوى اسم بشار الأسد، والطغمة المالية والعسكرية والأمنية، الملتحقة به والتي تركت سوريا للفراغ، وللمليشيات الداخلية والأجنبية وللعدوان فارة من مشهد السقوط السياسي، والوطني للنظام، بما جمعته من أموال الشعب السوري الذي تم قهره وإفقارُهُ وتجويعه.
هل بعد كل ذلك يمكنني القول، إن سورية عادت للسوريين، حتى بعد سقوط نظام العفن الأسدي ؟!
سؤال لا أملك الإجابة عليه بيقين فكري ، وسياسي واضحين في ضوء ما هو قائم وحاصل حتى اللحظة والآن.
دون نسيان أو تجاهل أن مجرد سقوط الاستبداد العائلي الأسدي، هو بحد ذاته ثورة سياسية إجتماعية، ثورة حرية ضد نظام استطال عنفه واستبداده وعفنه أكثر من نصف قرن.
إن الانهيار في بنية مكونات الجيش السوري بتلك الصورة السريعة، هو أمر محزن وكارثي، على أن المبهج والمفرح هو رؤية الآلاف من المعتقلين يخرجون من أقبية السجون السرية، إنها ثنائية الفرح والحزن، الفرح لسقوط النظام الاستبدادي الأسدي العائلي، والحزن لوضع سوريا الدولة والشعب الذي ما يزال مصيرهما مجهولاً، وهنا يأتي دور السوريين ؛ الشعب والمكونات والأحزاب لوحدة الصف ولرفع صوت الوحدة السياسية الوطنية السورية على قاعدة المواطنة والتعددية، على طريق استعادة بنى الدولة ومؤسساتها المدنية ، والإدارية والقانونية والقضائية وإعادة مأسستها بصورة ديمقراطية وقانونية بما فيه إعادة بناء الجيش الوطني بعد تغيير قيادته الفاسدة، وهي معركة سياسية كفاحية مدنية صعبة وطويلة، ولكنها بالصبر وبالوحدة الوطنية ليست مستحيلة على طريق انتخابات ديمقراطية ، وعقد اجتماعي جديد، دستور يتم التوافق عليه، ويساهم الجميع في صناعته، وصياغته ، وهي فعلاً المعركة الأصعب والأعقد والأطول في مواجهة مخططات المشاريع التفكيكية والتقسيمية لسوريا، ولكل المنطقة، فسوريا حلقة مركزية استراتيجية على هذا الصعيد الوطني السوري والقومي العربي.
على أن اخشى ما أخشاه أن يتحول انتصار الشعب للحرية، ضداً على نظام الاستبداد العائلي الأسدي، إلى انتصار لمشروع “الخلافة العثمانية”، الإسلاموية الجديدة، في صورة رؤية وبرنامج “حزب العدالة
والتنمية” ، التركي، راعي “العثمانية الجديدة”، ومن خلاله تقدم وصعود للمشروع الصهيو/ أمريكي في المنطقة من خلال سوريا، يتم عبره وخلاله تصفية ما تبقى من المشروع القومي العربي التحرري، فتكون مصر خارج معادلة الحرب الوطنية والتحررية القومية، وسوريا داخل سلام التطبيع الإبراهيمي، وهذه المرة بصياغة تركية/ عثمانية/ صهيو/ أمريكية.
إن مرتكزي محور المقاومة العربية، تاريخياً، وراهنا ًفي مواجهة الكيان الصهيوني، هما بدرجة أساسية، مصر، وسوريا، وقد أخرج السادات مصر باتفاق/ معاهدة “كامب ديفيد” من دائرة الفعل القومي العربي التحرري، ووضعها كطرف محايد مستقل، وفي أحسن الأحوال وسيط مقبول من الكيان الصهيوني، ومن أمريكا ، وبقي مشروع العدوان على سوريا مستمراً طيلة أكثر من أربعة عقود ، ساهم في ذلك الإرهاب السياسي والأمني الأسدي، الذي لعب أولاً، دوراً في إضعاف دور الحزب كمؤسسة قيادية، لصالح حكم الفرد/ العائلة، كما ساهم في تفكيك الجبهة الوطنية الداخلية في سوريا بعد اصراره العجيب على الاستمرار في حكم البلاد بالحديد والنار، ” الأسد أو لا أحد”, وصولاً لتوريث الجمهورية، مستخدماً وموظفاً الشعار القومي كورقة سياسية للداخل السوري، وفي النطاق العربي القومي، لأنه بدون هذا الشعار الاستهلاكي سيسقط، لأن شرعيته ومشروعيته الوطنية والقومية كحزب وكدولة – كذلك – كانت قائمة ومستمرة بالموقف السياسي من الكيان الصهيوني، ومن الاستعمار عموماً.
إن مصر وسوريا هما محور المقاومة الاستراتيجي ، ومعهما في التاريخ المعاصر دور الشعب الفلسطيني، وفصائله المسلحة، التي ما تزال تقاوم رغم حرب الإبادة منفردة ووحيدة بل ومحاصرة من كل النظام السياسي العربي المتصهين، ولذلك استهدف المشروع السياسي الاستبدادي الداخلي، والاستعماري الخارجي هاتين الدولتين المحوريتين، بعد غزو واحتلال العراق، وفرض نظام الحكم المذهبي/ القبلي العشائري، بما لا يعني نهاية المقاومة، ورفع الراية البيضاء للسلام الصهيو / أمريكي، فما دامت هناك أراضىٍ محتلة من الكيان الصهوني، بل ويتوسع مداها اليوم في صورة التوسع في احتلال الأراضٍ السورية الاستراتيجية ، فإن المقاومة ستبقى هي الخيار السياسي والكفاحي الوطني إلى جانب جميع أشكال المقاومة السياسية والمدنية والقانونية للاحتلال.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news