كانت المرأة البيضاء امرأة متدينة ومسيحية تقية كاثولوكية المذهب متشددة تخاف الله لكنها كانت انثى شبقة وشهوانية. وبعد موت زوجها نذرت نفسها للتبشير بدين المسيح لكنها لم تلتحق بأي إرسالية من الإرساليات التبشيرية الموجودة في عدن وانما مارست التبشير بطريقتها وفي منزلها الكائن في حي خور مكسر كانت تلتقط الرجال من ساحل أبين وحُقَّات وصِيْرَة وجُوْلدْمُوْر وتُحضرهم إلى منزلها وبعد ان تحضرهم تتركهم في الصالة يرتاحون وتدخل هي غرفة نومها وتخرج وهي بكامل زينتها لتبشرهم بالمسيحية.
ولشدة ماكانت تنسحق تحت شعورها بالأثم وبكونها تقوم بدور المومس لم تكن تسمح لأي منهم أن يدخل غرفة نومها ويدخل فيها إلا بعد أن يتنصّر ويدخل في دينها وأما الذي يرفض فكانت تصرفه وتفتح له الباب ليغادر
كان سلوكها ذاك يشعرها بالرضا عن نفسها ثم أنها كانت أمام جاراتها وصديقاتها تبرر سلوكها بالقول بأنها انما تبحث بين هؤلاء الكفار والهمج عن رجل فحل يناسبها وعلى مقاس شبقها كي تهديه للمسيحية ويكون لها زوجا ينكحها بالحلال ويغنيها عن جميع الرجال.
لكن غالبية الذين التقطتهم واحضرتهم إلى شقتها كانوا حين تعرض عليهم الدخول في دينها يتفاجئون ويرفضون وأما أولئك الذين يقبلون الدخول في دينها طمعا في دخول غرفة نومها فكانت قبل ان تدخلهم غرفة النوم تطلب منهم أن يقسموا بكتبهم المقدسة أنهم سيظلون في دين المسيح ولن يخرجوا منه.
كان في مكتبة زوجها المتوفي كل الكتب المقدسة لكل الديانات فإن كان الرجل مسلما تُحضر له المصحف من المكتبة وتطلب منه أن يقسم فوقه وأن كان هنديا يتبع الديانة الهندوسية تحضر له” البها غافاد جيتا” واذا كان زرادشتيا تحضر كتاب “الأفيستا” ولو صادف أن كان بهائيا تحضر له “الكتاب الأقدس” وهكذا.
وبعد أن يقسم الشخص بكتابه المقدس كانت المرأة البيضاء تفتح له غرفة نومها وتفتح لها ساقيها وتشعر لحظتها كما لو انها تفتح له بوابة الكنيسة وبوابة السماء وبوابة الجنة. لكن غالبية هؤلاء الذين دخلوا غرفة نومها كانوا يفشلون في اختبار غرفة النوم ويخفقون. ولم تجد بينهم رجلا يستحق أن يكون زوجا لها وكان الذي ينجح في الإختبار ويثبت لها بأنه رجل فحل وعلى مقاس شبقها يخرج من دينها بمجرد خروجه من غرفة نومها وأما الصادق منهم فكان في صباح يوم الأحد حين تطلب منه أن يذهب معها إلى كنيسة القديس فرنسيس في التواهي لتعميده وإشهاره كنصراني وكزوج يرفض الذهاب معها خوفا من ردود فعل أبناء ديانته وكان المسلم منهم يقول لها:
– “مافيش داعي أجي معك الكنيسة لو عرفوا أهلي اننا تنصرت بايقتلونا”.
وكانت هي تزعل وتغضب من هؤلاء الذين وثقت بهم وصدقتهم وأدخلتهم غرفة نومها ثم خذلوها وتخلوا عنها ولأكثر من مرة فكرت بالإنتحار لكن ايمانها القوي كان يمنعها في اللحظات الأخيرة وفي اليوم الذي ابصرت فيه قاسم الأهبل سمعت صوتا داخليا يقول لها:
– توقفي وخذي هذا الرجل على طريقك.
وكان قاسم الأهبل هو الوحيد الذي كسر القاعدة فقد دخل غرفة نومها ودخل فيها قبل أن يدخل في دينها ثم أنه الوحيد الذي لم يكذب عليها ولم يحلف فوق أي كتاب مقدس. فقط صبت له كأسا.
وقالت له وهي تمسك ب “النصراني الصغير”:
– “ياقاسم زبك نصراني.. مثل ازباب النصارى”
واخبرته بأن النصارى مثله ليسو مخاتين وفرح قاسم فرحا شديدا بتلك المعلومة ومن شدة فرحه قال لها بأن الفقهاء يريدون أن يختنوه ليصير مثل كل المسلمين وأنه رفض وسألته المرأة البيضاء وقالت له: ايش قلت لهم ؟.
قال لها قاسم: قلت لهم: “اقطعوا راسي ولاتقطعوا زبي”.
وضحكت المرأة البيضاء وقالت له:
– انت ياقاسم شجاع مثلك مثل المسيح.
وعرضت عليه أن يتحول إلى النصرانية لكي يحمي عضوه من البتر وقالت له:
– “لوتنصَّرت ياقاسم مايقدروا يختنوك”.
وتنصر قاسم ليلتها وكانت تلك أول مرة يقبل أحدهم الدخول في دينها بدون أدنى تردد ولشدة فرحتها صبت له ولها وشربا نخب دخوله في النصرانية وبعد أن شربا النخب طلبت منه المرأة البيضاء أن يتزوجها ووافق قاسم وفرحت المرأة البيضاء وملأت كأسيهما وشربا نخب زواجهما ثم وقد صار زوجها طلبت منه أن يتوقف عن الشرب ويتبعها إلى غرفة النوم وكان في ظنها أنه بعد أن دخل في دينها وأصبح زوجا لها سوف يغدو زوجا مطيعا ويتبعها إلى غرفة نومها لكن قاسم الأهبل ألتفت إليها التفاتة أرعبتها وبدلا من أن ينهض ويتبعها راح يواصل الشرب وكان بها خوف من أن يفشل في نكاحها مثلما كان يفشل زوجها عندما كان يفرط في الشرب.
لكن قاسم بعد أن أجهز على الزجاجة دخل غرفة النوم وأجهز عليها حتى أنها ليلتها لكثرة المعجزات التي أجترحها راحت تهذي وتهذرف وتصيح وتخلط بينه وبين المسيح.
وفي مساء اليوم التالي وهما في الصالة يشربان وكان يوم سبت سألها قاسم عن اسم بلادها فقالت له بأن أسمها بريطانيا وسألها عما جاء بها إلى عدن فضحكت من سؤاله واخبرته بأن دولتها تحتل عدن وتحتل الكثير من دول العالم ثم سألها عن اسم ملك بريطانيا فقالت له بأن بريطانيا تحكمها ملكة وليس ملكا وفرح قاسم الاهبل وقال لها:
– انت الملكة ؟.
وضحكت المرأة البيضاء من هبالته وقالت له بأنها ليست ملكة واستغرب قاسم فقد كان في ظنه حين دخل بيتها الشبيه بالقصر بأنها ملكة النصارى وكان ماجعله يعتقد أنها ملكة النصارى هو أن صورتها كانت تشبه صورة الملكة تلك التي أبصرها معلقة في حائط المستشفى عندما ذهب مع أحمد عبده سعيد ابن صاحب المطعم لإجراء فحوصات في مستشفى الملكة اليزابت لكنه بعد أن قالت له بأنها ليست الملكة سألها عن اسم ملكة النصارى وقال لها:
– قولي لي موهو اسم ملكة النصارى ؟.
قالت له المرأة البيضاء:
– “الملكة ياقاسم ملكة بريطانيا مش ملكة النصارى”.
وبعد أن ذكرت له اسمها سألها عن بلادها وأين تقع ونهضت من مكانها ودلفت إلى المكتبة وعند عودتها أفردت أمامه خارطة وارته موقع بلدها وراحت تحدثه عن بلدها وراح هو يسألها الكثير من الأسئلة حتى أنه سألها عن الهبلان في بريطانيا وعن عددهم وهل هم كثير أم قليل ؟ وعندما قالت له بأن بلدها بلد متحضر وفيها حضارة سألها عن الحضارة وقال لها:
– أيش هي الحضارة ؟.
وعندها فقدت المراة البيضاء أعصابها وقالت له:
– “الناس في البلد اللي فيها حضارة يكونوا أذكياء مش هبلان مثلك”.
ومع أن قاسم يعرف أنه أهبل ويفخر بأبناء جنسه الهبلان إلا أنه يزعل ممن يسخر منه ويقول عنه أهبل. ولشدة زعله يومها من المرأة البيضاء قال لها:
– “لوانا اهبل أنت قحبة وانا غلطان لاننا تزوجتك”.
وفزعت المرأة البيضاء من رد فعله وكان أن نهضت من مكانها ولحقت به وراحت تعتذر له وتتأسف وتغمره بقبلاتها وتطلب منه أن يسامحها وممافاقم غضبه عليها هو أنها راحت تراضيه بالنقود معتقدة بأنه سوف يسامحها لكنه قال لها وهو يرمي بنقودها للارض:
– “انا حر مش أنا عبد تشترينا بفلوسك”.
وراح يشتم دينها ويقول لها بأن النصارى مثلهم مثل المسلمين يكرهون الهبلان واتهمها بأنها كذبت عليه حين قالت له بأن الحقيقة موجودة في دينها وبعد أن أفرغ مابرأسه وقال لها الذي في نفسه أندفع باتجاه الباب لكن المراة البيضاء حين رأته خارجا داهمها خوف مريع وجثت عند قدميه تبكي وراحت تغسل قدميه بدموعها وكأنها مريم المجدلية تغسل أقدام المسيح لكن قاسم الأهبل وهو العنيد والعنيف بطبعه كان يضعف ويرق عندما يسمع صوت أحدهم يبكي وحين أبصرها تجثو عند قدميه وتبكي وتغسل قدميه بدموعها أشفق عليها وتذكر أنها ألتقطته من الشارع وهو هارب وخائف وكسته وأطعمته وسقته خمرا وتزوجته من دون أن يدفع لها مهرا وكان صوتها وهي تبكي قد أثاره وجعله في حالة امتعاظ وبدلا من أن يمسكها ويرفعها من الارض نزل إلى مستواها ودخل فيها والتحم بها وسرعان ماراحا يتشبثان ببعضهما ويتدحرجان في أرضية الصالة ويرتطمان بالتحف والتماثيل وبالمنحوتات والمزهريات و بكل الاشياء الثمينة الموجودة في الصالة وراح قاسم الاهبل يقلب المرأة البيضاء ظهرا على بطن وبطنا على ظهر ويقلب مشاعرها ومزاجها رأسا على عقب وسرعان ماتحول بكاؤها الى صهيل وحزنها إلى فرح ودموعها الى قهقهات وحين أنتهيا راحت المراة البيضاء تحسب خسائرها وتحصي كل تلك الاشياء والتحف الثمينة التي تحطمت وتهشمت وتلك التي انقلبت وتزحزحت من أماكنها وخرجت من موضعها وشعرت يومها بأن هذا الرجل الأبله وإن كان قد تسبب في كل هذه الفوضى وفي كل هذا الحطام وكل تلك الخسائر إلا أنه بالمقابل كان قد أدخل الفرح إلى قلبها وأعاد الشباب إلى جسدها وجعلها تتصالح مع نفسها وأعاد ترميم كل تلك الأشياء التي تحطمت داخلها فضلا عن أنه جعل منها زوجة شريفة بعد أن كانت مشروع عاهرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news