كان عدنان الوصابي يحدق في سقف متجره في شارع هايل وسط العاصمة صنعاء بينما لم يقطع شروده سوى صوت نجله محمد ذي الاثني عشر عاماً وهو يسأله عن إمكانية تخفيض سعر مرطب جلد، لزبونه تقف وحيدة في منتصف المحل المليء بالعطورات وأدوات التجميل، والمجهز بديكور زجاجي جميل.
تحت وطأة الكساد وإلحاح الزبونة وافق البائع على تخفيض أقل من نصف دولار من ثمن علبة مرطب الجلد المصنوع في الإمارات.
"الناس بدون قدرة شرائية والركود وتدهور سعر العملة يكاد يعصف بالتجار الصغار" يقول عدنان.
ويضيف في حديثه لمراسل "المصدر أونلاين": "غالبا ما يكون شارع هايل حافلاً بالمتسوقين من بعد الظهيرة وحتى ساعات المساء الأولى غير أنه هذه الأشهر يمر بأسوأ حالاته".
وضعت الحرب التي تعصف باليمن منذ نحو عشر سنوات معظم المشاريع على الحافة، ويأتي هذا الركود والانهيار الاقتصادي الذي خلق جوعاً مستشرياً في اليمن كإنذار بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة في حال قرر الجائعون كسر حاجز الصبر وتجرأوا على التعبير عن سخطهم المتراكم.
منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عشر سنوات سقطت البلاد فريسة سهلة لسلسلة من الأزمات الاقتصادية المتعاقبة.
في 21 سبتمبر أيلول 2014 سيطرت جماعة الحوثيين المدعومين من إيران على العاصمة اليمنية صنعاء بقوة السلاح.
وفي 26 مارس/آذار 2015، تم الإعلان عن تحالف دولي شكلته السعودية والإمارات بطلب من الرئيس اليمني المعترف به دولياً عبدربه منصور هادي لإعادة شرعيته تحت مسمى "عاصفة الحزم".
بعد عشر سنوات من الحرب سيطر الحوثيون على المحافظات وسط وشمال وغرب اليمن، فيما سيطرت قوات الشرعية المدعومة من التحالف على مدن الجنوب والشرق.
افضت خارطة السيطرة المسلحة للأطراف الفاعلة إلى تشظي اليمن، وإضعافها على كل المستويات، وأدى تفكك الدولة وازدياد عدد المقتسمين للكعكة إلى خلق حالة من اللايقين لدى الناس.
خلال الأشهر الأخيرة تزايدت مساحة الجوع المستشري، وتواصل انهيار العملة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فيما تحرص حكومة مليشيا الحوثي على إبقاء هذا الإنهيار مخفياً تغطيه بإجراءات صارمة تحافظ على استقرار زائف.
جعلت الأوضاع المزرية البلاد تغلي من الريبة، عبر المتظاهرون قبل أشهر قليلة في مدينة عدن عن عدم رضاهم بإحراق إطارات السيارات، ومنعت القبضة الحديدية لجماعة الحوثيين في الشمال الناس من أي تحرك!
تدخلت السعودية عبر مِنح متفرقة بمليارات الدولارات لإنقاذ البلاد من محنتها الاقتصادية غير أن افتقار الشرعية لخطط الإصلاح، وغرقها في الفساد حال دون إحداث انتعاش اقتصادي.
شكلت الجبايات وانقطاع الرواتب ونوازع التضييق المتلاحقة فجوة أغرقت البلاد في الفقر.
قال عبدالله (٥٠ عام) وهو بائع متجول، لديه "عربية" يبيع فيها جوارب وملابس داخلية في شارع هايل بصنعاء "الوضع صار لا يطاق، ضرائب وجبايات ومافيش عمل. الناس مافيش معاهم فلوس".
أمتد تأثير انقطاع الرواتب ليشمل كافة نواحي الحياة، فقدت الاسرة اليمنية استقرارها وقدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية مثل الغذاء والدواء والماء والكهرباء، ووقع العديد من الناس فريسة مؤلمة للتسول".
ارتفعت نسبة الفقر والبطالة، وتفاقمت نسبة الأسر التي تعاني من العوز، عجز قطاع واسع من اليمنيين عن شراء الأدوية، ما أدى إلى سقوط العديد ضحايا لأمراض يمكن علاجها.
ساهم الوضع المتدهور بشكل رئيسي في انتشار الضغوط النفسية وسط الاسر اليمنية. جعل القلق المستمر بشأن توفير المتطلبات الأساسية، معدلات الاكتئاب في ذروتها، وانعكس هذا الأمر على العلاقات الأسرية، التي تشتتت بفعل حالات الانفصال والعنف المنزلي.
أحد العاملين في مركز الارشاد الاسري تحدث لـ"المصدر أونلاين" عن تزايد معدلات الراغبين في الحصول على رعاية نفسية "لدرجة أنها فاقت قدرة المركز المتوفرة على تلبيتها".
امتدت خطورة الانهيار الاقتصادي إلى التعليم بشكل مباشر، ثمة عدد لا يحصى من الأطفال المتسربين من المدارس، لغرض البحث عن عمل، وآخرين حالت التكاليف دون قدرتهم على مواصلة دراستهم، ومعلمين لا يستطيعون أداء رسالتهم وبطونهم جائعة، وعقولهم مشغولة بكيفية تلبية متطلباتهم، هذه عوامل اجتمعت لتجعل مستقبل البلد المتمثل في الجيل الجديد على الحافة.
حتى الآن، على الأقل، لا يبدو أن السلطة الشرعية وجماعة الحوثيين يدركون خطورة الأمر، إذا لم يكن هناك حل عاجل لمعالجة الوضع الاقتصادي، فقد تخرج الأمور برمتها عن السيطرة ويخسر الجميع.
المصدر أونلاين
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news