تقف الكلمات عاجزة والعبارات خجولة في تناول مآثر وقصة كفاح وصمود ونضالات البطل العملاق الفريق الركن ناصر علي الذيباني، الذي سطر ملاحم من البطولة والفداء والتضحية وسفر خالد من النضال الوطني المشرق في سبيل الدفاع عن الجمهورية والسيادة الوطنية وحرية وكرامة شعب اليمن العظيم.
خاض في مقدمة الصفوف، وقاد ركب الأبطال في خوض غمار معركة متصلة لسنوات عدة.
عرفته صحاري اليمن ووديانه وآبة معه تلال اليمن وجباله، وشهدت على نضاله وبسالته كل ذرات الأرض ونسمات الهواء وروانق الشمس، فكان سيد الأبطال وأنبل المحاربين.
يدرك كل من عايش هذا البطل أن الشهيد استثنائي في كل شيء، الشجاعة المفرطة، النزاهة العالية، الإقدام المبهر، القدوة الحسنة. هكذا خلقه الله -تبارك وتعالى- كبير في كل شيء، ومتفان في سبيل وطنه حد الجنون.
نقف في هذه السطور مع بعض من بطولات هذا العملاق في مواجهة الإمامة:
أولا: الأرضية الفكرية والمعرفية للشهيد:
شكلت الأرضية الفكرية والمعرفية والامتداد النضالي الأسري والخلفية الاجتماعية والثقافية ذات الجذور الاسلامية شخصية وتوجهات وحياة هذا البطل وانحيازه المطلق للصف الجمهوري، تحققت في هذا البطل، جناحي الانطلاق وأهم عوامل النجاح، فطرة سليمة، وشجاعة بالسليقة وإقدام متوارث مع أرضية واسعة من التجارب والنضال والخبرات والتأهيل العلمي والأكاديمي المتميز لتخلق منه محاربا صلبا وقائدًا متمكنا، وزعيم مليء بروح الانسانية وأبجديات الوطنية ومعاني النضال.
ثانيا: مواجهة التمرد في صعدة وبني حشيش:
خاض البطل مع المخلصين من أبناء اليمن أهم وأقدس المعارك التي انصهر فيها الشهيد بقوة كبيرة وقيمية عالية وشرف كبير اعتز به، هي معارك الكرامة الوطنية ضد الامامة وفلولها في مواجهة المشروع الإمامي الحوثي الطائفي منذ بداية التمرد في محافظة صعدة وأطراف عمران وصولاً إلى بني حشيش على مشارف العاصمة صنعاء ضمن ألوية الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية في الحروب الست التي خاضتها الدولة في عهد الرئيس السابق علي صالح رحمه الله.. كان الذيباني خلالها الملهم، والفادي الذي تميز بكونه يخوض تلك المعارك بقناعة تامة وبحماس منقطع النظير وبفهم عميق لطبيعة ومئالات المشروع الامامي ونتائجه الكارثية على حاضر ومستقبل اليمن والمنطقة.
ثالثا: الاحتراف في تأمين العاصمة:
القادة المتميزون هم الذين يكونون على معرفة ودراية كاملة بطبيعة المعركة التي يخوضونها بدءً بالمبادئ والقيم التي يدافعون عنها ومعرفة المنظومة التي ينتمون إليها وأين تكون عوامل قوتها وأين تكمن نقاط ضعفها، وبالمقابل خبرة ومعرفة ودراية تامة بنقاط قوة وضعف العدو وامكانياته وتمركزات قواته ونقاط اتصاله ومراكز القيادة والسيطرة، وهي معارف وعلوم لا يستغني عنها أي قائد يتصدر للقيادة في الظروف الاستثنائية التي تميزه عن الكثير من القيادات ذات المستوى الأقل في الاحتراف والكفاءة.
كان الشهيد على معرفة تامة بمسرح عمليات العاصمة صنعاء وتفاصيل تضاريسها، وقدم المعلومات الكافية والاحترافية لخطة تأمين العاصمة قبل سقوطها، مستفيدا من قدراته الاحترافية وعمله المميز في مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة.. وهي الخطة التي لو قدر لها أن تأخذ طريقها للتنفيذ في قيادة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة وتوجيهات مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية حينها، لجنب اليمن المآسي والردة عن النظام الجمهوري ولحفظت الدولة من السقوط.
رابعا: مقاومة الانقلاب على الجمهورية:
خلال فترة ما بعد 2011م عمل الذيباني في دائرة الاستخبارات العسكرية، لينتقل بعد ذلك إلى عدن بعد صدور قرار تعيينه في منصب رئيس أركان اللواء 31 مدرع، ضمن جملة تعيينات أصدرها الرئيس هادي (17 مارس 2014)، وعقب سقوط صنعاء بيد مليشيا الحوثي وتمددها في مناطق ومحافظات البلاد وصولا إلى عمق مدينة عدن.
ظل الشهيد يقاوم مشروع الامامة من موقعه وفقا لظروف تلك المرحلة، وقدم الدعم والعون والتسليح للمقاومة الوطنية في عدن، بحسب شهادة قيادات المقاومة هناك.
وعقب مغادرة الرئيس هادي قصر معاشيق، غادر العقيد الذيباني المدينة متوجهاً إلى محافظة مأرب. ليلتحق بالكوكبة الأولى من خيرة أبناء اليمن الذين تداعوا لمواجهة ومقاومة هذا المشروع التدميري لليمن والمنطقة العربية، وشكل مع رفاقه الأبطال النواة الأولى للمقاومة الشعبية البطلة على تخوم مدينة مأرب حاضرة الإرث الحضاري التاريخي اليمني.
انطلقت المقاومة الشعبية على تخوم مدينة مأرب التي تحاصرها فلول الإمامة وعصابات التمرد من الاتجاهات، مثلت دعوة نضال وصيحة وطن على الأرض وفق خطاب وطني جمهوري يمني الهوى الهوية ووفق رؤى واضحة ونبيلة في مواجهة التمرد متسقة مع المشروع الوطني الجامع لإحياء أسس الحركة الوطنية الجمهورية التي انهارت تحت وطأة خلافات اليمنيين وأطماع المشروع الفارسي في المنطقة العربية عبر الأذرع الشيعية، ومنها الحركة الحوثية الطائفية الامامية.. وكانت مطارح قبائل مأرب حاجز الصد أمام المليشيا وكابح جنونها على حدود المحافظة.
كان أحد أعضاء غرفة العمليات المشتركة التي تم تشكيلها في مأرب لترتيب وضع المقاومة وإدارة المواجهة والتخطيط لها، هذه الغرفة تشكلت في ظروف الحرب لتنسيق وتوحيد المقاومة بين رجال القبائل الذين حملوا السلاح ووحدات الجيش والأمن التي انحازت إلى صف الشرعية، تحت إشراف السلطة المحلية في المحافظة والمحافظ سلطان العرادة وقوات الجيش والأمن.
شارك مجموعة من ضباط ومنتسبي الحرس الجمهوري وفي مقدمتهم اللواء الركن محسن الداعري قائد لواء الحرس المرابط في مأرب آن ذاك والذي قدم الدعم والتسليح للمقاومة وحافظ على جاهزية ومعدات اللواء ومهامه في الحفاظ على المدينة وأمنها.
بدأت الخطط للدفاع عن مأرب ومنع سقوط صرواح وكوفل بيد الحوثي، ثم انتقلت إلى استراتيجية المواجهة، وقد كانت شرارتها الأولى في منطقة حريب، ثم الجدعان.
وتولى نائب قائد جبهة الجدعان الذي كان يقودها أحد أنبل ضباط القوات المسلحة اليمنية اللواء الركن توفيق محمد عبدالله القيز، وقد أظهر بسالة وصرامة منقطعة النظير في مواجهة المد الشيعي الذي ركز كل جهده في اتجاه محافظة مأرب.
خامسا: تشكيل الجيش الوطني:
بدأت نواة الجيش الوطني بالتشكل لتضم الوحدات التي ظلت ثابتة، والرجال الذين توافدوا من كل أنحاء الوطن، وانخرطوا في صفوف الجيش والمقاومة.
تم وضع النواة الأولى لجيش الجمهورية الثانية بجهود ومشاركة كوكبة من القادة والضباط الجمهوريين الذين قاوموا فلول الامامة خلال تاريخهم العسكري وجسدوا ولاؤهم وانتمائهم للوطن والعقيدة الجمهورية والمبادئ الاسلامية النقية التي حملوها بين جوانحهم وعلى المدى الزمني في خدمتهم للوطن.
استطاع أولئك القادة الأبطال في وضع الأسس المتينة واللبنات الأولى لإعادة تنظيم وبناء المؤسسة الدفاعية والأمنية في وقتٍ قياسي وظروف بالغة التعقيد وشديدة الخطورة.
خاض الشهيد أول معركة عند اعادة تجميع وتشكيل الجيش الوطني، مشاركاً بنفسه وبندقيته في خطوط التماس وعمق المعركة قائدا محترفا في اعداد الخطط ورسم الخرائط وتحديد أهداف واتجاه ومحاور محاربة العدو، ويعتبر أحد أفضل الضباط في علم التكتيك العسكري وإدارة العمليات القتالية، ومنذ وطأت قدمه أرض مأرب لم يغادرها يوماً إلا جريحاً من إصابة بليغة أو مريضاً أو معتمراً.. بقي مرابطا في جبهات ومحاور القتال أو قائما بدور محوري في غرف العمليات ومراكز القيادة والسيطرة.
سادسًا: القيادة من مقدمة خطوط التماس:
تقول بعض النظريات في تعريف القيادة أنها فن التأثير في الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة، وهي مسؤولية عظيمة تتطلب مهارات استثنائية وذكاءً عاطفيًا.
تُعرَّف القيادة أيضًا بأنها عملية تحفيز وتوجيه مجموعة من الأفراد نحو عمل جماعي لتحقيق غاية محددة.
وتعرف القيادة والسيطرة عسكريا بأنها ممارسة السلطة والتوجيه من قبل قائد عسكري مسؤول على القوات المكلفة والتابعة لإنجاز المهمة، ويتم تنفيذ وظائف القيادة والتحكم من خلال ترتيب الأفراد والمعدات والاتصالات والمرافق والإجراءات المستخدمة من قبل القائد في التخطيط والتوجيه والتنسيق والتحكم في القوات والعمليات عند إنجاز المهمة.
كانت تغلب على ابو منير في المعارك -على كثرتها وتعدد مواطنها- صفة المحارب الفادي فيقوم بإعداد الخطط وترتيب القوات وتنظيم الأعمال القتالية في الدفاع والهجوم، لكنه يتقدم الصفوف في المعارك.
كان يتجول بين الجبهات يتفقد رفقاء النضال من الشباب في كل المواقع، كان معهم وفي مقدمتهم وتقاسم معهم برد الجبال وحر الرمال، ما غادر الجبهة منذ التحق بها، آمن بالقضية ونذر نفسه لحماية الوطن والجمهورية فكان نعم الحارس الأمين لقيم ونضالات الشعب اليمني العظيم.
سابعًا: الميدان أحب المواطن الذيباني:
من المواقف التي شهدتها شخصيا أنه كان يمل من الجلوس في المكاتب أو الجلسات الخاصة أو المقيل، ولا ترتاح نفسه إلا في المواقع الأمامية، وكان شديدا في التعامل مع أي تقصير أو إهمال من قبل أيا كان.
تميز بقوة شخصيته وأنه كان لا يرضخ، ويصر على الحق بعيدا عن المجاملات أو المداهنة أو التهيب من أي كان، ربما ستكشف المراحل التاريخية القادمة مواقف أسطورية في الثبات على الحق والاعتزاز بالذات.
*بتصرف من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news