على مدار العقدين الأخيرين، شكّلت إيران لاعبًا رئيسيًا في الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حيث قامت بتأسيس شبكة من الميليشيات المدعومة في عدة دول عربية، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن واستخدمتها كأدوات لتأجيج الصراعات وتعزيز مصالحها الإقليمية، وكانت ميليشياتها في الدول العربية جزءً من استراتيجية توسعية كبرى تهدف إلى فرض نفوذها وبسط هيمنتها، غير أن استراتيجيتها باتت في خطر.
تأثرت إيران خلال السنوات الأخيرة بالضغوطات التي تعرضت لها نتيجة لعدة أسباب، والتي كان أهمها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018م، بجانب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة مع عددٍ من دول الغرب، والتي استهدفت القطاعات الحيوية والاقتصاد الإيراني، وأثرت بشكلٍ كبير على قدرة إيران وتمويلها لأنشطتها العسكرية في الخارج، وعلى ما يبدو أيضًا أن حروبها بالوكالة التي أمدت لسنواتٍ كثيرة أدت إلى استنزاف مواردها المالية وخلقت الصراعات الداخلية التي جعلت من الصعب عليها الاستمرار في دعمها لميليشياتها.
تعرضت ميليشيا إيران في الدول العربية لانتكاساتٍ متتالية نتيجة تأثرها بالأزمات الإيرانية، فقد واجه حزب الله تحدياتٍ صعبة بعد تراجع التمويل الإيراني، حتى أصبح من الصعب عليه تأمين الأسلحة والذخائر اللازمة لاستمرار نفوذه في لبنان بعد أن كان لاعبًا رئيسيًا في سياستها، وأما في سوريا، أظهر نظام الأسد هشاشةً غير مسبوقة، وسقط النظام الذي كان يعتمد بشكلٍ كبير على الدعم العسكري الإيراني وحزب الله في غضون 12 يومًا فقط.
يشير تراجع الدعم الإيراني لحزب الله في لبنان وتخليه عن نظام الأسد في سوريا إلى تحولٍ استراتيجي كبير في الشرق الأوسط، ولن يقتصر تأثير هذا التحول على سوريا ولبنان فقط، بل سيتعدى ذلك ليصل إلى اليمن، فقد أثّر تراجع الدعم الإيراني سلبًا على قدرة الحوثيين في الحفاظ على مكاسبهم في اليمن، وكيف لا يخسر الحوثي وإيران هي من عملت على تحسين صورته وسعت إلى تسليط الضوء على "مقاومته" لكسب الدعم الشعبي وتحقيق الاعتراف الدولي؟
إن تراجع الدعم الإيراني لميليشياتها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يعد نقطة تحول استراتيجية في المنطقة، فقد بدأت أذرع إيران العسكرية والسياسية التي كانت تهدد استقرار الدول العربية وتأجج الصراعات تواجه أزمة وجودية، ولذلك يمكننا القول بأن الشعوب العربية، بما فيها الشعب اليمني، أمام فرصة تاريخية لوضع حدٍ للأزمات الممتدة وتحقيق السلام بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية والتدخلات الخارجية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news