سبتمبر نت/ تقرير- فؤاد مسعد
بداية القرن الثامن عشر الميلادي ظهر التنافس بين الانجليز والفرنسيين والهولنديين على سواحل اليمن، تبعاً لتوسع حركة التجارة الأوروبية، وفي أواخر القرن أصبح التنافس حكراً على بريطانيا وفرنساـ وبعد سيطرة فرنسا على مصر سنة 1798م تحول التنافس من التجارة إلى ميدان المواصلات، لأن غزو نابليون لمصر أثار مخاوف الحكومة البريطانية لا سيما عندما تبين لها أنه كان ينوي غزو الهند. وقد أدى الوجود الفرنسي ببريطانيا إلى إرسال قوة عسكرية إلى الساحل الشرقي لمصر، والاستيلاء على مركز استراتيجي في البحر الأحمر، تتمكن من خلاله من مراقبة حركة السفن الفرنسية والتصدي لها.
أطماع بريطانية
وبدأت بريطانيا تتخذ خطوات جديدة تتناسب والوضعية الجديدة، ففي العام 1799م احتلت جزيرة بريم (ميون) لكنها أخلتها لقلة الماء فيها، وعدم قدرة المدافع البريطانية السيطرة على مضيق باب المندب، كما أن هزيمة جيوش نابليون في مصر أضاف لها تهديداً جديداً.
وفي العام 1802م عقدت بريطانيا أول معاهدة تجارية مع السلطان العبدلي باعتباره المسيطر على عدن ومينائها في ذلك الوقت، وبموجب تلك الاتفاقية غدا الميناء مفتوحاً أمام السفن البريطانية، وضمنت لها الاتفاقية توفير الحماية لرعاياها وقامت بتأسيس وكالة تجارية.
نشبت الحرب البريطانية -الأمريكية بين عامي 1812-1814، وتضاعف اهتمام بريطانيا بالسواحل والموانئ اليمنية وفي مقدمتها عدن، خاصة وأن التجار الأمريكيين كانوا يحتكرون جزءاً كبيراً من تجارة البن في ميناء المخا المطل على البحر الأحمر، وبالتالي فهم يشكلون تهديداً مباشراً لحركة التجارة البريطانية في الموانئ اليمنية.
في أواخر العشرينيات أرادت بريطانيا استخدام البحر الأحمر كطريق للمواصلات التجارية بدلاً من الطريق البحري الطويل حول رأس الرجاء الصالح، كما أن اكتشاف البخار أنعش مطامع الانجليز في السيطرة على ميناء عدن، لاستخدامه محطة لتموين السفن بالفحم خاصة، وأن الميناء يقع في منتصف الطريق بين بومباي وقناة السويس.
في العام 1829م استأجر الانجليز مساحة في صيرة، وفي العام التالي استخدموا المكلا شرقاً والمخاء غرباً محطتين مستقلتين، وفي عام 1833م تسلم الكابتن هينس الذي كان يقوم بإجراء مسح للساحل الجنوبي للجزيرة العربية أمراً بالتوجه إلى المهرة من أجل شراء جزيرة سقطرى لتكون محطة تموين جديدة، لكنه أخفق في المهمة، فاستمروا بالبحث عن مكان جديد وعادوا إلى عدن، وقد كان هينس كثير التردد على ميناء عدن، وكان متحمساً لإقناع حكومته بالسيطرة على عدن، فكتب إلى لندن قائلاً:
“إن هذا المرفأ العظيم يمتلك من القدرات والإمكانات ما لا يملكه ميناء آخر في الجزيرة العربية، وإن ازدهاره لاشك وأن يقضي على ميناء المخا وبقية موانئ البحر الأحمر، فهو يحتل مركزاً تجارياً ممتازاً لا شك أنه أنسب الموانئ الموجودة لمواصلات الإمبراطورية عبر البحر الأحمر، وهو في وضعه الحالي صالح لاستقبال البواخر وتموينها في كل فصول السنة”.
أواخر العام 1838م بدأت بريطانيا تعد العدة لاحتلال عدن، فجهزت وخصصت سفينتين حربيتين للمهمة، ووضعتهما تحت قيادة المأجور بيلي الذي وضع نفسه تحت قيادة الكابتن هينس، وشاركت القوة 286 من فرقة بومباي، والقوة 22 مدفعية، و القوة 350 مشاة، وعشرة مدافع حماية، وبدأت حصار عدن في 16 يناير 1839، وفي 19 يناير بدأت القوات البريطانية احتلال عدن وجوبهت بمقاومة يمنية عنيفة شهد بها البريطانيون أنفسهم، وأقروا ببسالة اليمنيين رغم عدم تكافؤ القوتين، واستشهد حينها 139 من أبطال المقاومة رووا بدمائهم أرض عدن.
وبعدها بدأت بريطانيا تتوسع على حساب بقية المناطق في جنوب اليمن وشرقها، من أجل تأمين حركتها وتعزيز سيطرتها على ميناء عدن، وأبرمت اتفاقات الحماية مع سلاطين وأمراء ومشايخ المناطق. وفيما أطلقت السلطات الاستعمارية على عدن اسم مستعمرة عدن وأسمت المناطق المحميات الشرقية والمحميات الغربية، وفي مارس 1914 أبرمت بريطانيا اتفاقاً لتقسيم الحدود بين شمال اليمن الذي يسيطر عليه الأتراك العثمانيون والجنوب اليمني الذي يحتله الإنجليز، وهذا الاتفاق هو الذي قسم اليمن إلى شمال وجنوب، وهو الاتفاق المعروف بالاتفاق (الانجلو تركي).
المقاومة اليمنية
بدأت المقاومة اليمنية للاحتلال البريطاني في جنوب اليمن منذ اللحظات الأولى للاحتلال، مع أن بريطانيا كانت وقتها امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وكانت أساطيلها منتشرة في كافة محيطات العالم، كما كانت قواعدها العسكرية موجودة في كافة قارات العالم القديم والجديد. وبعد الحرب العالمية الثانية حاولت بريطانيا تعزيز وجودها لكن الأحداث بدأت تتجه في غير صالحها، خاصة بعد قيام ثورة يوليو المصرية عام 1952م، التي تبنت تشجيع ودعم ثورات التحرر العربي من الاستعمار الأجنبي في البلدان العربية، وهذا أسهم في رفع منسوب الوعي الوطني والقومي المناهض للاستعمار البريطاني ومشاريعه وأدواته.
ونورد فيما يلي عرضاً موجزاً بأهم الانتفاضات التي نشبت في مناطق الجنوب ضد الاحتلال البريطاني:
– انتفاضة منطقة الفضلي (أبين) عام 1945.
– انتفاضة طلاب عدن عام 1946.
– انتفاضة أبين 1946.
– انتفاضة الضالع والشعيب عام 1947.
– انتفاضة أبين 1947.
– انتفاضة بيحان 1948.
– انتفاضة الضالع 1948.
– انتفاضة المزارعين في لحج 1949.
– انتفاضة الحواشب عام 1950.
– انتفاضات حضرموت في العام 1951 و 1952 و 1955 و1961.
– انتفاضة العمال في عدن 1956.
– انتفاضة أبين عام 1956.
– انتفاضة الضالع عام 1957.
– انتفاضة أبين عام 1957.
– انتفاضة دثينة عام 1958.
– انتفاضات يافع 1958، و1959.
– إضراب عمال النفط عام 1959، وعام 1960.
– إضراب عمال الميناء عام 1960.
– انتفاضات العمال والمزارعين في العام 1961 وشملت مصافي عدن ومزارعي لحج وأبين وحضرموت.
– إضراب الطلاب في جميع المدارس عام 1962م.
ويغلب على هذه الانتفاضات أنها كانت قبلية محدودة ومعزولة في مناطق نشوبها، غير أن هناك انتفاضات أخذت طابعاً أوسع بحكم أنها اندلعت في مناطق حضرية، وقامت بها شرائح وفئات واسعة مثل انتفاضة المزارعين في لحج وفي حضرموت، وكذلك انتفاضة الطلاب والحركة العمالية في عدن.
وكان عقد الخمسينيات حافلاً بالنشاط السياسي والإعلامي الجماهيري في مناهضة الاستعمار خاصة في عدن، حيث ظلت الحركة الوطنية تتنامى وتتزايد أعداد منتسبيها حتى قامت ثورة سبتمبر 1962م في شمال اليمن ضد حكم الإمامة، وبعده بعام قامت ثورة أكتوبر 1963 في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني.
ووفقاً لوثائق الحركة الوطنية اليمنية في جنوب اليمن، فإن الانتفاضات اندلعت خلال الفترة من عام 1936م حتى عام 1962م، وما كانت تهدأ انتفاضة في منطقة معينة حتى تندلع انتفاضة جديدة في منطقة أخرى، وقد عمت الانتفاضات مختلف مناطق الجنوب المحتل.
الجدير ذكره أن بعض الانتفاضات نشبت بدوافع قومية عربية وليست مرتبطة بمطالب محلية، منها انتفاضة عدن عام ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وكذلك مظاهرات عام 1956 ضد العدوان الثلاثي على مصر.
تصعيد ومواجهة
في بداية العام 1966، كانت ثورة 14 أكتوبر قد وصلت أوجهها- بحسب المؤرخ والمناضل سعيد الجناحي، فقد أصبحت جبهات القتال (12) جبهة، وبلغت العمليات الفدائية في عدن حسب المعطيات البريطانية (286) عملية، قتل خلالها (35) وجرح (202) بريطانيين، ومن الثوار والمدنيين استشهد (14)، وجرح (85) مقاتلاً ومدنياً، وبلغت العمليات في مناطق القتال في الريف (663) عملية قتل من جرائها (24)، وجرح (113) جندياً وضابطاً بريطانياً، واستشهد (170)، وجرح (300) من الثوار.
ومع ذلك فإن بريطانيا واصلت مناورتها السياسية حينها، وتحدثت التقارير البريطانية أنها أعدت مشروع دستور جديد لحكومة الاتحاد التي أنشأتها السلطات البريطانية، غير انه لم يكتب له النجاح، وفي فبراير أصدرت بريطانيا (الكتاب الأبيض)، جاء فيه أن القوات البريطانية المرابطة في الشرق الأوسط تبلغ (26,850) عسكريا الجزء الأكبر موجود في عدن، وأن النفقات العسكرية كبيرة، وأن بريطانيا عازمة على منح الجنوب الاستقلال عام 1968، مع عزمها على تصفية القاعدة العسكرية في عدن.
ويعود هذا القرار البريطاني إلى انهيار مخططاتها الاستعمارية وتفاقم أزمتها المالية والاقتصادية، غير أن مسألة إعادة النظر والإعلان عن موعد استقلال الجنوب يعود إلى اتساع نطاق ثورة التحرير الوطني الشعبية، فبرغم الصراع بين جبهة التحرير والجبهة القومية، فقد استمرت الحرب الفدائية، وحدث تطور خطير في جبهة عدن التي كان يقودها عبد الفتاح إسماعيل، بعد أن احتجز من قبل الأجهزة المصرية أثناء قيامه بمشاورات مع رفقته بعد الدمج في تعز، ونقله إلى القاهرة تولى القيادة محمد صالح مطيع، علي سالم البيض، ثم سالم ربيع علي (سالمين)، تمثل في حصول الفدائيين على مدافع (الهاون) التي طالت المطار العسكري ومعسكرات الجيش.
وخلال هذا العام (1966م) قامت القوات البريطانية بحملات تفتيش، ومداهمات، وشنت الغارات التي لم يسبق لها مثيل، وعملت سياجاً في ضواحي عدن، وحدود المداخل، وأخضعت كل شيء للتفتيش بحثاً عن الأسلحة، ووسعت من الاعتقالات، وقد بلغ عدد المعتقلين في سجون عدن في يوليو 1966م نحو ألف معتقل، أما في سجون المناطق فوصل (1500) معتقل.
ولم تستطع كل عمليات القمع إيقاف الثورة، فقد بلغ عدد العمليات (868)، نتج عنها (573) إصابة، (258) بين قتيل وجريح في صفوف البريطانيين و(32) شهيداً و(283) جريحاً من بين الثوار ومناصريهم.
شهداء وانتفاضة
شكّل العام 1976 بالنسبة لثورة أكتوبر عام الحسم، ففي 19 يناير 1967 بمناسبة ذكرى الاحتلال البريطاني لعدن، و11 فبراير بمناسبة مرور ثمانية أعوام على تشكيل (اتحاد الجنوب العربي) الذي أسسته السلطات الاستعمارية، استعرضت قوى الثورة قوتها وشعبيتها من خلال الاضطرابات، والمظاهرات وتصعيد العمليات العسكرية في عدن وبقية المناطق، مما أظهر التأييد والدعم الشعبي للثورة والثوار، حيث دعت الجبهة القومية وجبهة التحرير وقيادة المؤتمر العمالي لإسقاط المشروع الاستعماري من خلال إفشال فعالية الاحتفال التي دعت لها السلطات.
يقول المؤرخ سلطان ناجي: إن الثوار قرروا القيام بإضراب عام يوم السبت الموافق (الحادي عشر من فبراير) احتجاجاً على تكوين الاتحاد، وقبله بيوم قام الانجليز بنقل صلاحية حفظ الأمن نهائياً من البوليس المدني والبوليس المسلح إلى قوات الأمن البريطانية، وأمر المندوب السامي البريطاني منع التجوال مسبقاً من الساعة السادسة مساءً إلى العاشرة من فبراير، وتمركز أفراد لواء عدن البريطاني في مواقعهم منذ منتصف تلك الليلة، وفي أثناء فرض منع التجوال خلال الليل ثم القبض على 705 أشخاص، وفي صبيحة يوم الاتحاد ذاته كشف الخبراء العسكريون البريطانيون قبل ساعتين من وصول طائرة “الهيلوكبتر” التي تقل المندوب السامي إلى ميدان الاستعراض في مدينة الاتحاد، كشفوا لغماً موقوتاً في مكان الهبوط المقرر لنزول الطائرة، كما اكتشفوا على مقربة من ميدان الاستعراض وجود عشر قذائف كانت موجهة لتطلق على المندوب السامي والوزراء الاتحاديين عند بدء الاحتفال، وقد بلغت عدد الهجمات التي قام بها الثوار ضد القوات البريطانية خلال ثلاثة أيام (10-13) فبراير 1967م 66 هجوماً، ووصلت الإصابات 81 إصابة منها 8 قتلى، واستشهد 3 من الثوار.
وحصل تبادل لإطلاق النار بين الجنود وبين الثوار مساء الجمعة، بعدما خيّم الصمت تحسباً لما يمكن أي يحدث في يوم الإضراب، ألقي القبض على العشرات من الثوار تمهيداً لمحاكمتهم لأنهم اخترقوا نظام حظر التجول المفروض، وأذاع الاستعمار أن السلطات ألقت القبض على عضو جبهة التحرير السيد محمد سالم باسندوة في منزله، فأعلنت جبهة التحرير الإضراب يوم الاثنين حداداً على استشهاد العشرات ومن ضمنهم الثائر مهيوب على غالب المعروف باسم (عبود)، أحد فدائيي الجبهة القومية وقادتها العسكريين.
وباستشهاد عبود في عملية بطولية شجاعة يوم الحادي عشر من فبراير أصبح هذا اليوم هو يوم الشهداء.
وقد خاض الفدائيون معركة مباشرة ضد القوات البريطانية والاتحادية في الشيخ عثمان، وبسبب نبرات المصفحات استشهد عدد كبير من الثوار، وشهد النصف الأول من عام 1967 منافسة شديدة في العمليات العسكرية في عدن بين القطاع الفدائي للجبهة القومية والتنظيم الشعبي لجبهة التحرير مما جعل السلطات البريطانية المسؤولة عن الحفاظ على أمن المستعمرة عدن، وأسند لها التنفيذ الصارم لقانون الطوارئ.
في أبريل وصلت بعثة الأمم المتحدة إلى عدن والتحمت جبهة التحرير بالجبهة القومية لمعارضة وصول البعثة، ولم تتمكن السلطات البريطانية من نقلها إلى الفندق الاَّ بواسطة طائرة هيلوكوبتر جراء المظاهرات التي سارت في الشوارع وطوقت المطار. وحمل المتظاهرون أعلام الجبهة القومية، وجبهة التحرير وجمهورية مصر، وخلال وجود البعثة تنافست الفرق الفدائية التابعة للجبهة القومية والتنظيم الشعبي في الصدام مع القوات البريطانية والقيام بعمليات عسكرية في ظل إضراب شامل لم يتوقف خلال خمسة أيام.
ظلت البعثة حبيسة الفندق وحين أرادت زيارة سجن المنصورة لمقابلة المعتقلين السياسيين نقلت على مصفحة عسكرية، وقابلهم المعتقلون بالتظاهر والهتاف للثورة وسقوط الاستعمار، وفي خارج السجن كانت المعركة تدور بين الثوار والقوات البريطانية التي تواجدت بكثافة.
فشلت بعثة الأمم المتحدة وغادرت عدن، وقد بلغت الحوادث في ذلك الأسبوع (280) حادثة، كبدت القوات البريطانية (64) بين قتيل وجريح، واستشهد واحد من الفدائيين واعتقل (180) مواطناً.
في يونيو حدث تحول هائل، أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر، مما أثار مشاعر الجماهير وكانت البداية إضراباً طويلاً، وتصاعدت العمليات العسكرية ضد القوات والمعسكرات البريطانية.
والأهم سيطرة الثوار بقيادة الجبهة القومية على مدينة كريتر في العشرين من يونيو بعد معارك ضارية كلفت الثوار استشهاد أربعة، بينما قتل (12)، وجرح (31) من الجنود البريطانيين، وظلت مدينة كريتر تحت سيطرة الثوار حتى الرابع من يوليو، ورغم انسحاب الثوار إلاَّ أن المعارك لم تتوقف.
وقد كشفت انتفاضة 20 يونيو عن قدرة الثوار على إلحاق الهزيمة بسلطات الاحتلال وحكومتها العميلة- حكومة اتحاد الجنوب العربي، وشكّل ذلك الانتصار عاملاً حاسماً لدى الثوار في بقية مناطق الجنوب. بالإضافة إلى أن هذا الانتصار كان له بعد وطني وقومي لأنه جاء بعد أيام قليلة على تحقيق جيش إسرائيل انتصاراً خاطفاً في سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السوري في حرب 5 يونيو المعروفة بـ”نكسة حزيران/ يونيو 1967م، وبما أن بريطانيا هي الداعم والراعي الأكبر لإسرائيل، فإن الانتصار عليها يعد انتصاراً عربياً على أكبر حلفاء العدو الإسرائيلي وداعميه.
إعلان الاستقلال
عن تداعيات انتفاضة 20 يونيو لدى قادة الاحتلال البريطاني يقول المندوب السامي البريطاني السير كينيدي ترافيسكس: “لقد كان ذلك هزيمة ساحقة بالنسبة للبريطانيين، وأكثر سحقاً بالنسبة للحكومة الاتحادية، وأن هذه الهزيمة تعتبر آخر مسمار في نعش الحكومة”، وقال المندوب البريطاني: “إن أكثر العرب يعتقدون أن حكومة الاتحاد قامت بكل غدر وخيانة باستدعاء حلفاء إسرائيل، لقتال إخوانها العرب، وزاد ذلك في تأليب الشارع ضد الاستعمار البريطاني- الداعم لإسرائيل، وأدواته ومشاريعه وفي مقدمتها حكومة الاتحاد ومشروعها المسمى “اتحاد الجنوب العربي”، سيما وأن الشارع كان في غاية التأثر بما وقع للعرب من هزيمة قاسية في حرب يونيو 1967م.
وبالفعل كانت هذه الانتفاضة هي المسمار الأخير في نعش الاحتلال وحكومة الاتحاد، ففي 22 يونيو (بعد يومين فقط من انتفاضة عدن)، تمكن ثوار الجبهة القومية من السيطرة على إمارة الضالع، وهي أول إمارة يسقطها الثوار، ولحقتها بقية المناطق التي تتابعت أنباء سقوطها وسيطرة الثوار عليها، فبعد ثلاثة أيام سقطت منطقة الشعيب، وفي شهر أغسطس من العام نفسه سيطر الثوار على سلطنة لحج، وسلطنة الفضلي في زنجبار، وهما من أكبر وأهم الكيانات الإدارية في جنوب اليمن، سيما وأن السلطنتين تجاوران العاصمة عدن من جهتي الشمال والشرق، وفي الشهر نفسه سقطت منطقتا دثينة والعواذل في أبين، وفي شهر سبتمبر سيطر الثوار على مشيخة العقربي بين لحج وعدن، وسلطنة القعيطي بحضرموت (الساحل)، وإمارة بيحان بشبوة، وفي أكتوبر تمت السيطرة على سلطنة الكثيري في وادي حضرموت والمهرة.
ويمكن تفصيل تاريخ سقوط المناطق كما يلي:
اسم المنطقة – تاريخ السقوط
الضالع – 22 يونيو 1967
الشعيب – 25 يونيو 1967
المفلحي – 12 أغسطس 1967
لحج – 13 أغسطس 1967
دثينة – 13 أغسطس 1967
العواذل – 27 أغسطس 1967
الفضلي (زنجبار) – 28 أغسطس 1967
يافع السفلى – 28 أغسطس 1967
يافع العليا – 2 سبتمبر 1967
مشيخة العقربي – 2 سبتمبر 1967
العوالق السفلى – 9 سبتمبر 1967
القعيطي (حضرموت الساحل) – 16 سبتمبر 1967
بيحان – 18 سبتمبر 1967
الكثيري – 2 أكتوبر 1967
المهرة – 14 أكتوبر 1967
مشيخة العوالق العليا – 27 أكتوبر 1967
عدن وضواحيها – 6 نوفمبر 1967
سلطنة العوالق العليا – 29 نوفمبر 1967
جزيرة سقطرى – 30 نوفمبر 1967
وهكذا انفرط عقد الاستعمار وتساقطت المناطق في أيدي الثوار، وأخذت أعلام الثورة ترفرف في سماء الوطن، فيما قوات الانجليز تتراجع وينحسر نفوذها بانحسار حكومة الاتحاد وانهيار سلطة الأمراء والسلاطين، وذلك بفعل العمل الثوري المتنامي الذي لم توقفه أعمال القمع والقتل والقصف الجوي واستخدام الأسلحة الحديثة والمتطورة، كما لم تتمكن مؤامرات الاستعمار وعملائه من النيل من إرادة الثوار وإصرارهم على تحقيق الهدف السامي الذي بذلوا لأجله أرواحهم ودماءهم، وهو تحرير الأرض اليمنية من الاحتلال ومخلفاته، وتحقيق الاستقلال الوطني كاملاً غير منقوص أو مشروط، وهو ما وصلت إليه تطورات الأحداث، فبعدما استنفد الاستعمار الأجنبي كل أوراقه أعلن عن قرب موعد انسحابه، وجاءت مفاوضات جنيف بين الحكومة البريطانية وقيادة الجبهة القومية، وأفضت إلى خروج الاستعمار البريطاني بعدما ظل جاثماً 129 سنة، وتم إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وقيام الدولة الوطنية في جنوب اليمن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news