كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية محط أنظار العالم، بما في ذلك اليمن، الدولة التي مزقتها الحروب لعقد من الزمن.
و يعد اليمن -أفقر دولة في العالم العربي- موطنًا لأحد أبرز الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط: جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي تسيطر على ما يقرب من نصف سكان اليمن. وخلال العام الماضي، قام الحوثيون بتكثيف أنشطتهم التي تعرقل الطرق البحرية الحيوية العالمية، مما زاد من حدة التوترات في المنطقة.
وفي إطار تضامنها مع الشعب الفلسطيني، تعهدت الجماعة بمواصلة استهداف إسرائيل حتى توقف عملياتها العسكرية في غزة، حيث استهدفت واختطفت سُفنًا تزعم أنها مرتبطة بإسرائيل. و هذا الموقف العدواني دفع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى شن ضربات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين داخل اليمن. كما قادت الولايات المتحدة عملية عسكرية دولية تُعرف بـ"عملية حارس الازدهار"، و شملت إسقاط طائراتٍ مُسيّرة تستهدف السفن، وتنفيذ ضربات جوية لتعطيل القدرات العسكرية للحوثيين.
وفي المقابل، شن الحوثيون هجماتٍ صاروخية محدودة على مدن إسرائيلية، ما دفع إسرائيل إلى الرد بشنّ ضربات متعددة على اليمن. و وسط هذا المشهد الجيوسياسي المعقد، ستكون قرارات السياسة الخارجية الأمريكية عاملًا حاسمًا في رسم ملامح مستقبل اليمن. نائبة الرئيس (كامالا هاريس)، التي لم تُوفق في ترشيحها للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، حافظت على نهج الرئيس (جو بايدن) تجاه اليمن، وهو نهج غالبًا ما تجاهل الربط بين هجمات الحوثيين والحرب المستمرة في غزة. و في الماضي، انضمت هاريس إلى الأعضاء الأكثر تقدمية في حزبها من خلال دعم تشريعاتٍ تهدف إلى إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن. ومع ذلك، كان ذلك قبل تصاعد تهديد الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر.
أما ترامب، فقد دعم الحرب التي تقودها السعودية في اليمن خلال فترة إدارته، واستخدم الفيتو ضد جهد حزبي مشترك لسحب الدعم الأمريكي للرياض. وفي يناير/ كانون الثاني2021، وقبيل مغادرته منصبه، اتخذ خطوة إضافية بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، بهدف زيادة عزلتهم وقطع الإغاثة الإنسانية الدولية عن اليمنيين الخاضعين لسيطرتهم. لكن هذا التصنيف أُلغي لاحقًا من قبل إدارة بايدن تحت ضغط المنظمات الإنسانية التي حذرت من تفاقم الوضع الكارثي في اليمن.
و في الوقت نفسه، انتقد ترامب خليفته لشن ضربات عسكرية ضد الحوثيين، مدعيًا أن بايدن "يلقي القنابل في كل أنحاء الشرق الأوسط". ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال أن يعيد ترامب هذه الإجراءات، سواء من خلال استئناف الضربات الجوية ضد الحوثيين أو إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، في حال عودته إلى السلطة.
و في عام 2022، وبفضل دعم قوي من إدارة بايدن، تمكنت هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة من وقف الصراع الطويل بين الحوثيين والسعودية، مما أثار بعض الأمل في تسوية سلمية. ورغم أن الهدنة انتهت رسميًا بعد تجديدها مرتين، إلا أن الطرفين التزما إلى حد كبير بها، حيث أوقفا العمليات العسكرية الكبرى وفتحا الباب أمام سلسلة من المحادثات الهادئة. ومع ذلك، لا تزال هناك صعوبات في التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا مثل أمن الحدود والمسائل الاقتصادية.
ومع اندلاع حرب غزة العام الماضي، توقفت جهود السلام بسبب تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وأفادت تقارير في مايو/ آيار بأن الولايات المتحدة منحت السعودية ضوءًا أخضر غير رسمي لاستئناف جهود السلام مع الحوثيين. لكن مساعي إدارة بايدن لدعم السلام مع تقليص القُدرات العسكرية للحوثيين والحد من هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر جعلت تحقيق تقدم دبلوماسي أمرًا صعبًا.
و ستكون الإدارة الثانية لدونالد ترامب عاملاً حاسمًا في تحديد مستقبل اليمن. فالقرارات التي ستُتخذ في الأشهر المقبلة لن تؤثر فقط على مسار اليمن، بل سيكون لها أيضًا أصداء في جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسط.
و يلعب اليمن دورًا حيويًا نظرًا لموقعه الاستراتيجي على طول البحر الأحمر، وهو ممر تجاري عالمي حيوي. و قربه من المصالح الأمريكية يثير القلق، خاصة عندما يهدد الحوثيون الأصول الأمريكية، بما في ذلك القواعد العسكرية في جيبوتي وإريتريا. وقد عرضت الهجمات الحوثية الأخيرة سلاسل الإمداد العالمية واستقرار المنطقة للخطر. و بدعم من إيران، يتحدى الحوثيون الحكومة اليمنية والدول المجاورة، لا سيما حلفاء الولايات المتحدة، السعودية والإمارات العربية المتحدة. و في الوقت نفسه، يشكل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP) في اليمن تهديدًا مباشرًا من خلال التخطيط لهجمات على أهداف عسكرية ودبلوماسية، وتجنيد المتطرفين، ونشر الدعاية المناهضة للولايات المتحدة، مما قد يلهم الإرهاب العالمي.
و كانت السياسة الأمريكية تجاه اليمن في الغالب رد فعل على الأحداث. ولتحقيق تأثيرٍ مستدام، يجب أن تعتمد استراتيجية أكثر جرأة ورؤية تستند إلى فن الدبلوماسية، من خلال معالجة الأسباب الجذرية لاضطرابات اليمن المستمرة بالإضافة إلى التنافسات الإقليمية والحروب بالوكالة.
كما يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة تبني نهج متعدد الأوجه يركز على مجالين رئيسيين:
أولاً، من الضروري الاعتراف بالصلة بين هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والصراع في غزة. ويجب أن يدفع هذا الاعتراف نحو التحول إلى تسهيل حل شامل يبدأ بوقف إطلاق النار في غزة.
ثانيًا، يجب على الإدارة دعم إنشاء حكومة يمنية موحدة سياسيًا وعسكريًا لتعزيز الدولة اليمنية، مما يمكنها من التصدي بفعالية لمختلف التهديدات، بما في ذلك نفوذ الحوثيين على الصعيدين الداخلي والإقليمي. وبالتوازي مع ذلك، ينبغي على الإدارة إعطاء الأولوية لعملية سلام شاملة تضمن إشراك جميع الأطراف المعنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news