قلتُ بيني وبين نفسي: التنوير فلسفة تحريرية هادفة إلى تغيير أفضل أو إلى خلق تصور جديد. وما أروعَ أن يكون التنوير ممزوجًا بالحب أو المحبة. وفجأة انقطع نور الكهرباء عن غرفتي، وها أنا أشعل الشمعة، وأبتسمُ لنفسي. ابتسموا لأنفسكم ولبعضكم بعضًا حين تغرقون في الظلام، مثلي. فكِّروا في الحب حين تشتد حِدّة الكراهية من حولكم.
حبيبتي هي الأخرى سوف تبتسم لي من هناك، وتراقصني.
لها ابتسامة فريدة تلهمني الحكمةَ والفنَّ، وتسقيني الأملَ والشعورَ بالأمان. قلت لها: إذا شعر الإنسان بالأمان صار جميلًا، نبيلًا، إنسانيًا، ومبدعًا.
رشقتني بابتسامة دافئة وأردفتْها بكلمة نَعم.
وتبادلتُ معها مشاعر وكلمات نابعة من صميم الحب.
الحب النبيل يضيء الأشياء والكلمات ويهدم العتمات ويضفي على أوقاتنا وأرواحنا عذوبةَ الحياة.
والتنوير مزيج من الحرية والحب والشجاعة.
يحرّرنا الحب من الخوف، ويحرّرنا التنوير من أسْر جهلنا.
إنها امرأة عظيمة جدًا، متنوِّرة، تستوعبني، تلملم أشلاء روحي، وتجيب عن أسئلتي الحُرّة، وتحاول أن تساعدني على نفسي المتشككة في كل الأجوبة الجاهزة، تلك المنبثقة من أحداث الماضي.
وتقول لي ما معناه أن التنوير هو الحب المستنير، ذلك النوع من الحب الإنساني الشجاع، الذي يثور على الظلم والزّيف والنفاق والعبث والدجل، ويكافح جميعَ صور البؤس البشري.
وإذ هي تناقشني عن الحب، تقول إنها تشعر بسعادة كثيفة حين تساعد الناس، أو تخدمهم، لأن الأناني لا يعرف السعادة؛ إذ هو يحرم نفسه بنفسه من هذه النعمة العظيمة.
تختفي حبيبتي الآن، وتتركني لشأني.
التنوير فلسفة الحب..
التنوير والأنانية لا يجتمعان.
الأنانية جهل وغرور وقسوة، والتنويري لا يكون أنانيًا.
والأنانيُّون غير مؤهّلين لممارسة التنوير، بل إن أغلبهم يقفون دفاعًا عن الجهل والانحطاط، ضدًا على التنوير الذي يحمل رسالة إنسانية عالية.
لا يزال ذلك الطفل في داخلي يبتسم، يندهش، يتساءل: لماذا، ومتى، وأين، وكيف؟
يحبو حينًا، ويطير حينًا.
التنوير تساؤل نقدي حُر.
المسألة باختصار هي: هناك إظلام وهناك تنوير، وموقفي مع هذا الأخير.
التنويري ينحاز للنور، ويقتنع بالحقائق فقط.
أجل، أنا مع التنوير، قلبًا وقالبًا.
إنني مع أبي العلاء المَعرّي، شيخ التنوير العربي العظيم، وأهتفُ معه: “لا إمامَ سوى العقل”.
ومعه أيضًا هاتفًا وراء صوته: “كلُّ عقلٍ نبيٌّ”.
التنوير العَلائي، شعرًا ونثرًا، لا يزال نابضًا بالحياة، وعلينا الاحتفاء به، وإخراجه من بطون الكتب إلى واقع حياتنا.
إما أن تكون الكتابة فعلًا تنويريًا، أو تكون ضجيجًا بلاغيًا لا يغني ولا يسمن من جوع.
ثقافيًا، التنوير يهاجم جذور العنف، أو يكشف عنها، ويرمي إلى تفكيك تلك الألغام الفكرية المزروعة في رؤوس الظلاميين. آه، تعبنا من جنون حياتنا العنيفة. وأقذر صناعة بشرية على الإطلاق، صناعة الخوف، الرعب، الإرهاب.
هذا حالنا في هذا “اليمن السَّعير”: نعيش في ظُلماتٍ بعضها فوق بعض. الناس يرتجفون على حافة الهاوية أو في كَفِّ عفريت. بؤس كثيف مُطْبِقٌ على الجميع، والأوضاع تسوء زيادة على اللزوم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news